معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَتُصۡبِحُ ٱلۡأَرۡضُ مُخۡضَرَّةًۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (63)

قوله تعالى : { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فتصبح الأرض مخضرةً } بالنبات ، { إن الله لطيف } بأرزاق عباده واستخراج النبات من الأرض ، { خبير } بما في قلوب العباد إذا تأخر المطر عنهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَتُصۡبِحُ ٱلۡأَرۡضُ مُخۡضَرَّةًۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (63)

{ 63 - 64 } { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }

هذا حث منه تعالى ، وترغيب في النظر بآياته الدالات على وحدانيته ، وكماله فقال : { أَلَمْ تَرَ } أي : ألم تشاهد ببصرك وبصيرتك { أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً } وهو : المطر ، فينزل على أرض خاشعة مجدبة ، قد أغبرت أرجاؤها ، ويبس ما فيها ، من شجر ونبات ، فتصبح مخضرة قد اكتست من كل زوج كريم ، وصار لها بذلك منظر بهيج ، إن الذي أحياها بعد موتها وهمودها لمحيي الموتى بعد أن كانوا رميما .

{ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } اللطيف الذي يدرك بواطن الأشياء ، وخفياتها ، وسرائرها ، الذي يسوق إلى عبده الخير ، ويدفع عنه الشر{[545]} بطرق لطيفة تخفى على العباد ، ومن لطفه ، أنه يري عبده ، عزته في انتقامه وكمال اقتداره ، ثم يظهر لطفه بعد أن أشرف العبد على الهلاك ، ومن لطفه ، أنه يعلم مواقع القطر من الأرض ، وبذور الأرض في باطنها ، فيسوق ذلك الماء إلى ذلك البذر ، الذي خفي على علم الخلائق فينبت منه أنواع النبات ، { خَبِيرٌ } بسرائر الأمور ، وخبايا الصدور ، وخفايا الأمور .


[545]:- في ب: (عباده الخير ويدفع عنهم الشر ).
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَتُصۡبِحُ ٱلۡأَرۡضُ مُخۡضَرَّةًۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (63)

وهذا أيضا من الدلالة على قدرته وعظيم سلطانه ، فإنه يرسل{[20400]} الرياح ، فتثير سحابا ، فيمطر على الأرض الجُرُز التي{[20401]} لا نبات فيها ، وهي هامدة يابسة سوداء قحلة ، { فَإِذَا أَنزلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } [ الحج : 5 ] .

وقوله : { فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً } ، الفاء هاهنا للتعقيب ، وتعقيب كل شيء بحسبه ، كما قال : { خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا } [ المؤمنون : 14 ] ، وقد ثبت في الصحيحين : " أن بين كل شيئين أربعين يوما " ومع هذا هو معقب{[20402]} بالفاء ، وهكذا هاهنا قال : { فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً } أي : خضراء بعد يبسها ومُحُولها{[20403]} .

وقد ذكر عن بعض أهل{[20404]} الحجاز : أنها تصبح عقب المطر خضراء ، فالله أعلم .

وقوله : { إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } أي : عليم بما في أرجاء الأرض وأقطارها وأجزائها من الحب وإن صغر ، لا يخفى عليه خافية ، فيوصل إلى كل منه قسطه من الماء فينبته به ، كما قال لقمان : { يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ } [ لقمان : 16 ] ، وقال : { أَلا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ } [ النمل : 25 ] ، وقال تعالى : { وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ الأنعام : 59 ] ، وقال { وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ } الآية [ يونس : 61 ] ؛ ولهذا قال أمية بن [ أبي ]{[20405]} الصلت - أو : زيد بن عمرو بن نُفيل - في قصيدته :

وَقُولا لَه : مَن يُنْبِتُ الحبَّ في الثَّرَى *** فَيُصبحَ منْهُ البَقْلُ يَهْتَزُّ رَابيَا?

ويُخْرجُ منْهُ حَبَّه في رُؤُوسه *** فَفي ذَاك آيات لمَنْ كَانَ وَاعيا{[20406]}


[20400]:- في أ : "وأنه مرسل".
[20401]:- في أ : "الذي".
[20402]:- في أ : "تعقيب".
[20403]:- في أ : "وقحوطا".
[20404]:- في هـ ت : "أرض" والمثبت من ف ، أ.
[20405]:- زيادة من ف ، أ.
[20406]:- انظر : السيرة النبوية لابن هشام (1/228).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَتُصۡبِحُ ٱلۡأَرۡضُ مُخۡضَرَّةًۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (63)

{ ألم تر } تنبيه{[8424]} وبعده خبر { أن الله } تعالى { أنزل من السماء ماء } فظلت { الأرض } تخضر عنه ، وقوله { فتصبح الأرض } بمنزلة قوله فتضحي أو فتصير عبارة عن استعجالها إثر نزول الماء واستمرارها كذلك عادة ، ورفع قوله { فتصبحُ } من حيث الآية خبر والفاء عاطفة وليست بجواب لأن كونها جواباً لقوله { ألم تر } فاسد المعنى{[8425]} ، وروي عن عكرمة أنه قال : هذا لا يكون إلا بمكة وتهامة ومعنى هذا أنه أخذ قوله

{ فتصبح } مقصوداً به صباح ليلة المطر وذهب إلى أن ذلك الاخضرار في سائر البلاد يتأخر{[8426]} .

قال القاضي أبو محمد : وقد شاهدت هذا في السوس الأقصى نزل المطر بعد قحط وأصبحت تلك الأرض التي تسقيها الرياح قد اخضرت بنبات ضعيف دقيق ، وقرأ الجمهور «مخضرة » ، وقرأت فرقة : [ مخضرة ]{[8427]} . و «اللطيف » المحكم للأمور برفق .


[8424]:قال الفراء في (معاني القرآن): المعنى في {ألم تر} خبر، كأنك قلت في الكلام: اعلم أن الله بنزل من السماء ماء فتصبح الأرض، وهو مثل قول الشاعر: ألم تسأل الربع القديم فينطق فهل تخبرنك اليوم بيداء سملق؟ وقال سيبويه: "وسألت الخليل عن {ألم تر} فقال: هذا واجب وهو تنبيه، كأنك قلت: أتسمع؟ أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا" ثم ذكر البيت السابق، والبيت لجميل صاحب بثينة، والسملق: الأرض السهلة المستوية التي لا تنبت. ا هـ.
[8425]:لأنك إذا أجبت النفي بالفاء كان على معنيين ينتفي الجواب في كل منهما: إذا قلت:ما تأتينا فتحدثنا بالنصب فالمعنى: ما تأتينا محدثا، إنما يأتي ولا يحدث، ويجوز أن يكون المعنى: إنك لا تأتي فكيف = تحدث؟ فالحديث منتف في الحالتين، والتقرير بأداة الاستفهام كالنفي المحض في الجواب، يثبت ما دخلته الهمزة وينتفي الجواب، فيلزم من هذا الذي تقرر إثبات الرؤية في الآية ونفي الاخضرار، وهو خلاف المقصود. هذا هو المراد بقوله: "فاسد المعنى". وأيضا قالوا: إن جواب الاستفهام ينعقد منه مع الاستفهام السابق شرط وجزاء، ولا يصح في الآية هنا أن يتقدر أن ترى إنزال المطر فتصبح الأرض مخضرة، لأن الاخضرار ليس مترتبا على علمك أو رؤيتك، إنما هو مترتب على إنزال المطر. قال ذلك الفراء.
[8426]:إدا جعلنا [فتصبح] بمعنى: (فتصير) لا يلزم أن يكون الاخضرار في وقت الصباح، وقد خص الله تعالى وقت الصباح بالذكر دون سائر أوقات النهار لأن رؤية الأشياء المحبوبة في أول النهار أبهج للعين وأسر للنفس.
[8427]:قال في البحر المحيط: "على وزن مسبعة".