الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَتُصۡبِحُ ٱلۡأَرۡضُ مُخۡضَرَّةًۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (63)

ثم قال : { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة }[ 61 ] .

( فتصبح مرفوع{[47174]} لأن صدر الكلام واجب ، وليس استفهام ، إنما هو تنبيه ، هذا قول الخليل{[47175]} .

وقال الفراء{[47176]} : ( ألم تر ) خبر ، كما تقول في الكلام : أعلم أن الله يفعل كذا فيكون كذا{[47177]} . وخص ذكر الصباح بهذا دون سائر أخواتها ، لأن رؤية الخضرة بالنهار أوضح منه بالليل ، والمعنى : أن الأرض صارت على هذا بالليل والنهار ، فتصبح بمعنى فأصبحت ، وهذه أصول من باب صار وأخواتها ، وأعلم أن أصل أصبح وأمسى أن تقول : أصبح{[47178]} الرجل وأمسى أي : وافق الصباح ووافق المساء ، وكذلك أصبحنا وأمسينا ، معناه : دخلنا في الصباح والمساء .

ثم قالوا : أصبح زيدا عالما ، وأمسى جاهلا . أي : تبين ذلك منه في وقت الصباح والمساء{[47179]} ولم يرد أنه يكون في الصباح على حال لا يكون عليها في المساء ، وقولهم ظل فلان قائما ، فلا يكون ظل إلا بالنهار ، كما أن بات بالليل ، واشتقاقه من الظل ، والظل إنما يكون بالنهار ، فلذلك لم يقع ( ظل ) إلا بالنهار . وقولهم : صار زيد عالما . أصلها من صرت إلى موضع كذا ، أي : بلغته ، فالمصير انقطاع البلوغ . ومنه قوله : ( إليه المصير ) ، أي : غاية البلوغ والانتهاء ، ثم اتسع فيها{[47180]} حتى جعلت للخبر ، فقيل : صار عبد الله عالما أي : بلغ هذه الصفة ، فلذلك كانت للشيء الذي ينقطع إلى وقتك تقول : صار عبد الله رجلا{[47181]} أي : بلغ ذلك هذا الوقت ، وليست بمنزل ( كان ) التي توجب علمه{[47182]} قبل ذلك ، فصارت لانقطاع الغاية ، وانقطاع الغاية وقت خبرك ، فإن أردت أن تخبر ب( صار ){[47183]} إنما هو{[47184]} كان قبل وقتك ، أدخلت ( كان ) فقلت : كان زيد قد صار{[47185]} عالما ، وأريته أمسى صار عالما .

وأما ما زال{[47186]} فأصلها من{[47187]} زال الشيء عن الموضع ، إذا فارقه وما زلت عن موضع ، أي : ما فارقته . ثم جعل ذلك للخبر فلزمه الجحد ، فثبت الخبر عن الاسم بنفي مفارقته ، فقلت : ما زال زيد عالما ، فنفيت مفارقته للعلم ، ونفي ذلك إيجاب له ، فصار المعنى : زيد عالم ، ففيه معنى{[47188]} تراخي الزمان ، فإذا قلت ما زلت سائرا ، فمعناه ما زلت أسير شيئا بعد شيء . ونظير ما زال ، ما برح وما انفك ، وما فتئ . فأصل ما برح ، من برحت من موضع ، أي : فارقته . وأصل ما انفك من انفكاك{[47189]} الشيء من الشيء{[47190]} ومفارقته إياه . وأما ما فتئ فلم ينفرد باسم كظلت . وأما ما دام ، فما فيها غير جحد ، إنما هي زمان . وأصل دام ، من دمت على الشيء ، مكثت فيه ، وطاولته ، ثم جعلت لديمومة الخبر ، وجعل الاسم وخبره صلة ( ما ) التي هي وقت . ولو قلت دام زيد عالما ، لم يكن كلاما حتى تأتي الموصول ، وهو ( ما ) . ولو قيل{[47191]} : قد دام زيد أميرا ، لجاز في القياس ، لأن معناه : طالت إمارته ، ولكن لم يستعمل وقوله : { إن الله لطيف خبير }[ 61 ] .

أي : لطيف باستخراجه النبات من الأرض بالماء الذي ينزل من السماء . ( خبير ) بما يحدث عن ذلك النبت من الحب وغيره .


[47174]:ز: مرفوع بالابتداء.
[47175]:انظر: الكتاب 3/40 وإعراب القرآن للنحاس 2/410.
[47176]:انظر: معاني الفراء 2/229.
[47177]:فيكون كذا سقط من ز.
[47178]:أصبح سقطت من ز.
[47179]:ز: ووقت المساء.
[47180]:ز:فيه.
[47181]:ز: جاهلا.
[47182]:ز: عليه. (نحريف).
[47183]:ز: بما رأيت.
[47184]:ز: أؤمن.
[47185]:قد صار: سقط من ز.
[47186]:ز: وأما زال.
[47187]:من سقطت من ز.
[47188]:ز: ينفي. (تحريف).
[47189]:ز: انفك.
[47190]:من الشيء سقط من ز.
[47191]:ز:قلت.