ثم قال : { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة }[ 61 ] .
( فتصبح مرفوع{[47174]} لأن صدر الكلام واجب ، وليس استفهام ، إنما هو تنبيه ، هذا قول الخليل{[47175]} .
وقال الفراء{[47176]} : ( ألم تر ) خبر ، كما تقول في الكلام : أعلم أن الله يفعل كذا فيكون كذا{[47177]} . وخص ذكر الصباح بهذا دون سائر أخواتها ، لأن رؤية الخضرة بالنهار أوضح منه بالليل ، والمعنى : أن الأرض صارت على هذا بالليل والنهار ، فتصبح بمعنى فأصبحت ، وهذه أصول من باب صار وأخواتها ، وأعلم أن أصل أصبح وأمسى أن تقول : أصبح{[47178]} الرجل وأمسى أي : وافق الصباح ووافق المساء ، وكذلك أصبحنا وأمسينا ، معناه : دخلنا في الصباح والمساء .
ثم قالوا : أصبح زيدا عالما ، وأمسى جاهلا . أي : تبين ذلك منه في وقت الصباح والمساء{[47179]} ولم يرد أنه يكون في الصباح على حال لا يكون عليها في المساء ، وقولهم ظل فلان قائما ، فلا يكون ظل إلا بالنهار ، كما أن بات بالليل ، واشتقاقه من الظل ، والظل إنما يكون بالنهار ، فلذلك لم يقع ( ظل ) إلا بالنهار . وقولهم : صار زيد عالما . أصلها من صرت إلى موضع كذا ، أي : بلغته ، فالمصير انقطاع البلوغ . ومنه قوله : ( إليه المصير ) ، أي : غاية البلوغ والانتهاء ، ثم اتسع فيها{[47180]} حتى جعلت للخبر ، فقيل : صار عبد الله عالما أي : بلغ هذه الصفة ، فلذلك كانت للشيء الذي ينقطع إلى وقتك تقول : صار عبد الله رجلا{[47181]} أي : بلغ ذلك هذا الوقت ، وليست بمنزل ( كان ) التي توجب علمه{[47182]} قبل ذلك ، فصارت لانقطاع الغاية ، وانقطاع الغاية وقت خبرك ، فإن أردت أن تخبر ب( صار ){[47183]} إنما هو{[47184]} كان قبل وقتك ، أدخلت ( كان ) فقلت : كان زيد قد صار{[47185]} عالما ، وأريته أمسى صار عالما .
وأما ما زال{[47186]} فأصلها من{[47187]} زال الشيء عن الموضع ، إذا فارقه وما زلت عن موضع ، أي : ما فارقته . ثم جعل ذلك للخبر فلزمه الجحد ، فثبت الخبر عن الاسم بنفي مفارقته ، فقلت : ما زال زيد عالما ، فنفيت مفارقته للعلم ، ونفي ذلك إيجاب له ، فصار المعنى : زيد عالم ، ففيه معنى{[47188]} تراخي الزمان ، فإذا قلت ما زلت سائرا ، فمعناه ما زلت أسير شيئا بعد شيء . ونظير ما زال ، ما برح وما انفك ، وما فتئ . فأصل ما برح ، من برحت من موضع ، أي : فارقته . وأصل ما انفك من انفكاك{[47189]} الشيء من الشيء{[47190]} ومفارقته إياه . وأما ما فتئ فلم ينفرد باسم كظلت . وأما ما دام ، فما فيها غير جحد ، إنما هي زمان . وأصل دام ، من دمت على الشيء ، مكثت فيه ، وطاولته ، ثم جعلت لديمومة الخبر ، وجعل الاسم وخبره صلة ( ما ) التي هي وقت . ولو قلت دام زيد عالما ، لم يكن كلاما حتى تأتي الموصول ، وهو ( ما ) . ولو قيل{[47191]} : قد دام زيد أميرا ، لجاز في القياس ، لأن معناه : طالت إمارته ، ولكن لم يستعمل وقوله : { إن الله لطيف خبير }[ 61 ] .
أي : لطيف باستخراجه النبات من الأرض بالماء الذي ينزل من السماء . ( خبير ) بما يحدث عن ذلك النبت من الحب وغيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.