فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَتُصۡبِحُ ٱلۡأَرۡضُ مُخۡضَرَّةًۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (63)

ثم ذكر سبحانه دليلاً بيناً على كمال قدرته ، فقال : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً } الاستفهام للتقرير ، والفاء للعطف على { أنزل } وارتفع الفعل بعد الفاء لكون استفهام التقرير بمنزلة الخبر كما قاله الخليل وسيبويه . قال الخليل : المعنى أنزل من السماء ماء فكان كذا وكذا ، كما قال الشاعر :

ألم تسأل الربع القواء فينطق *** وهل يخبرنك اليوم بيداء سملق

معناه : قد سألته فنطق . قال الفراء : { ألم ترَ } خبر ، كما تقول في الكلام : ( إن الله ينزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرّة ) ، أي ذات خضرة كما تقول مبقلة ومسبعة ، أي ذوات بقل وسباع ، وهو عبارة عن استعجالها أثر نزول الماء بالنبات واستمرارها كذلك عادة ، وصيغة الاستقبال ، لاستحضار صورة الاخضرار مع الإشعار بتجدد الإنزال واستمراره ، وهذا المعنى لا يحصل إلا بالمستقبل ، والرفع هنا متعين ؛ لأنه لو نصب لانعكس المعنى المقصود من الآية فينقلب إلى نفي الاخضرار ، والمقصود إثباته . قال ابن عطية : هذا لا يكون ، يعني الاخضرار في صباح ليلة المطر إلا بمكة وتهامة . والظاهر أن المراد بالاخضرار اخضرار الأرض في نفسها لا باعتبار النبات فيها كما في قوله : { فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء اهتزت وَرَبَتْ } [ الحج : 5 ] . والمراد بقوله : { إِنَّ الله لَطِيفٌ } أنه يصل علمه إلى كل دقيق وجليل . وقيل : لطيف بأرزاق عباده . وقيل : لطيف باستخراج النبات ، ومعنى { خَبِيرٌ } أنه ذو خبرة بتدبير عباده وما يصلح لهم . وقيل : خبير بما ينطوون عليه من القنوط عند تأخير المطر . وقيل : خبير بحاجتهم وفاقتهم .

خ66