الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَتُصۡبِحُ ٱلۡأَرۡضُ مُخۡضَرَّةًۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (63)

قوله تعالى : " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة " دليل على كمال قدرته ، أي من قدر على هذا قدر على إعادة الحياة بعد الموت ، كما قال الله عز وجل : " فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت " {[11586]}[ فصلت : 39 ] . ومثله كثير . " فتصبح " ليس بجواب فيكون منصوبا ، وإنما هو خبر عند الخليل وسيبويه . قال الخليل : المعنى انتبه ! أنزل الله من السماء ماء فكان كذا وكذا ؛ كما قال :

ألم تسألِ الرَّبْعَ القَوَاءَ فَيَنْطِقُ *** وهل تُخْبِرَنْكَ اليومَ بَيْدَاءُ سَمْلَقُ{[11587]}

معناه قد سألته فنطق . وقيل استفهام تحقيق ، أي قد رأيت ، فتأمل كيف تصبح ! أو عطف لأن المعنى ألم تر أن الله ينزل . وقال الفراء : " ألم تر " خبر ، كما تقول في الكلام : اعلم أن الله عز وجل ينزل من السماء ماء . " فتصبح الأرض مخضرة " أي ذات خضرة ، كما تقول : مبقلة ومسبعة ، أي ذات بقل وسباع . وهو عبارة عن استعجالها إثر نزول الماء بالنبات واستمرارها كذلك عادة . قال ابن عطية : وروي عن عكرمة أنه قال : هذا لا يكون إلا بمكة وتهامة . ومعنى هذا : أنه أخذ قوله " فتصبح " مقصودا به صباح ليلة المطر وذهب إلى أن ذلك الاخضرار يتأخر في سائر البلاد ، وقد شاهدت هذا [ في ] السوس الأقصى نزل المطر ليلا بعد قحط أصبحت تلك الأرض الرملة التي نسفتها الرياح قد أخضرت بنبات ضعيف رقيق . " إن الله لطيف خبير " قال ابن عباس : ( " خبير " بما ينطوي عليه العبد من القنوط عند تأخير المطر . " لطيف " بأرزاق عباده ) . وقيل : لطيف باستخراج النبات من الأرض ، خبير بحاجتهم وفاقتهم .


[11586]:راجع ص 6 من هذا الجزء.
[11587]:البيت لجميل بن عبد الله صاحب بثينة. والقواء(بفتح القاف): القفر. والبيداء: القفر أيضا، الذي يبيد من سلك فيه. والسملق (بفتح السين وسكون الميم وفتح اللام): الأرض التي لا تنبت، وهي السهلة المستوية.(شواهد العيني).