فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَتُصۡبِحُ ٱلۡأَرۡضُ مُخۡضَرَّةًۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٞ} (63)

ثم ذكر سبحانه دليلا بينا على كمال قدرته فقال :

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء } الاستفهام للتقرير كما قاله الخليل وسيبويه ، قال الخليل : المعنى ألم تعلم أنه أنزل من السماء مطرا فكان كذا وكذا ، وذكر هنا ستة أشياء أولها إنزال الماء الناشئ منه اخضرار الأرض كما قال : { فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً } قال الفراء : أي ذات خضرة كما تقول مبقلة ومسبعة ، أي ذات بقل وسباع وهو عبارة عن استعجالها إثر نزول الماء بالنبات واستمرارها كذلك عادة . وصيغة الاستقبال لاستحضار صورة الاخضرار مع الإشعار بتجدد الإنزال واستمرار . وهذا المعنى لا يحصل إلا بالمستقبل ، والرفع هنا متعين لأنه لو نصب لانعكس المعنى المقصود من الآية فينقلب إلى نفي الاخضرار ، والمقصود إثباته .

قال ابن عطية : هذا لا يكون بعد الاخضرار في صباح ليلة المطر إلا بمكة وتهامة ، والظاهر أن المراد بالاخضرار اخضرار الأرض في نفسها ، لا باعتبار النبات فيها ، كما في قوله : فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت } ، والمراد بقوله : { إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ } أي يصل علمه إلى كل دقيق وجليل ، وقيل لطيف بأرزاق عباده ، وقيل باستخراج النبات .

{ خَبِيرٌ } أي أنه ذو خبرة بتدبير عباده وما يصلح لهم ، وقيل خبير بما ينطوون عليه من القنوط عند تأخير المطر . وقيل خبير بحاجتهم وفاقتهم .

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ ( 65 ) وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ ( 66 ) لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ ( 67 ) وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ( 68 ) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ( 69 ) } .