قوله تعالى : { والله يريد أن يتوب عليكم } ، إن وقع منكم تقصير في أمر دينكم .
قوله تعالى : { ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا } ، عن الحق .
قوله تعالى : { ميلاً عظيماً } . بإتيانكم ما حرم عليكم ، واختلفوا في الموصوفين باتباع الشهوات ، قال السدي : هم اليهود والنصارى ، وقال بعضهم : هم المجوس ، لأنهم يحلون نكاح الأخوات ، وبنات الأخ ، والأخت وقال مجاهد : هم الزناة ، يريدون أن تميلوا عن الحق فتزنون كما يزنون ، وقيل : هم جميع أهل الباطل .
وقوله : { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } أي : توبة تلم شعثكم ، وتجمع متفرقكم ، وتقرب بعيدكم .
{ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ } أي : يميلون معها حيث مالت ويقدمونها على ما فيه رضا محبوبهم ، ويعبدون أهواءهم ، من أصناف الكفرة والعاصين ، المقدمين لأهوائهم على طاعة ربهم ، فهؤلاء يريدون { أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا } أي : [ أن ] تنحرفوا عن الصراط المستقيم إلى صراط المغضوب عليهم والضالين .
يريدون أن يصرفوكم عن طاعة الرحمن إلى طاعة الشيطان ، وعن التزام حدود من السعادة كلها في امتثال أوامره ، إلى مَنْ الشقاوةُ كلها في اتباعه . فإذا عرفتم أن الله تعالى يأمركم بما فيه صلاحكم وفلاحكم وسعادتكم ، وأن هؤلاء المتبعين لشهواتهم يأمرونكم بما فيه غاية الخسار والشقاء ، فاختاروا لأنفسكم أوْلى الداعيين ، وتخيّروا أحسن الطريقتين .
{ والله يريد أن يتوب عليكم } كرره للتأكيد والمبالغة . { ويريد الذين يتبعون الشهوات } يعني الفجرة فإن اتباع الشهوات الائتمار لها ، وأما المتعاطي لما سوغه الشرع منها دون غيره فهو متبع له في الحقيقة لا لها . وقيل : المجوس . وقيل : اليهود فإنهم يحلون الأخوات من الأب وبنات الأخ وبنات الأخت . { أن تميلوا } عن الحق بموافقتهم على اتباع الشهوات واستحلال المحرمات . { ميلا عظيما } بالإضافة إلى ميل من اقترف خطيئة على ندور غير مستحل لها .
كرّر قوله : { والله يريد أن يتوب عليكم } ليرتّب عليه قوله : ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً فليس بتأكيد لفظي ، وهذا كما يعاد اللفظ في الجزاء والصفة ونحوها ، كقول الأحوص في الحماسة .
فَإذا تَزُول تَزُولُ عن متخمّط *** تُخشَى بَوَادِرُه على الأقْران
وقوله تعالى : { ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا } [ القصص : 63 ] والمقصد من التعرُّض لإرادة الذين يتّبعون الشهوات تنبيهُ المسلمين إلى دخائل أعدائهم ، ليعلموا الفرق بين مراد الله من الخلق . ومراد أعوان الشياطين ، وهم الذين يتّبعون الشهوات . ولذلك قُدّم المسند إليه على الخَبر الفِعْلي في قوله : { والله يريد أن يتوب عليكم } ليدلّ على التخصيص الإضافي . أي الله وحده هو الذي يريد أن يتوب عليكم ، أي يحرّضكم على التوبة والإقلاع عن المعاصي ، وأمّا الذين يتّبعون الشهوات فيريدون انصرافكم عن الحقّ ، وميلكم عنه إلى المعاصي . وإطلاقُ الإرادة على رغبة أصحاب الشهوات في ميْل المسلمين عن الحقّ لمشاكلة { يريد الله ليبين لكم } [ النساء : 26 ] . والمقصود : ويحبّ الذين يتّبعون الشهوات أن تميلوا . ولمّا كانت رغبتهم في ميل المسلمين عن الحقّ رغبة لا تخلو عن سعيهم لحصول ذلك ، أشبهت رغبتُهم إرادة المريد للفعل ، ونظيره قوله تعالى بعد هذه الآية { يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل } [ النساء : 44 ] .
وحذف متعلّق { تميلوا } لظهوره من قرينة المقام ، وأراد بالذين يتّبعون الشهوات الذين تغلبهم شهواتهم على مخالفة ما شرعه الله لهم : من الذين لا دين لهم ، وهم الذين لا ينظرون في عواقب الذنوب ومفاسدها وعقوبتها ، ولكنّهم يرضون شَهَواتهم الداعية إليها . وفي ذكر هذه الصلة هنا تشنيع لحالهم ، ففي الموصول إيماء إلى تعليل الخبر . والمراد بهم المشركون : أرادوا أن يتّبعهم المسلمون في نكاح أزواج الآباء ، واليهودُ أرادوا أن يتّبعوهم في نكاح الأخوات من الأب ونكاح العمّات والجمع بين الأختين . والميلُ العظيم هو البعد عن أحكام الشرع والطعن فيها . فكان المشركون يحبّبون للمسلمين الزنى ويعرضون عليهم البغايا . وكان المجوس يطعنون في تحريم ابنةِ الأخ وابنة الأخت ويقولون : لماذا أحلّ دينكم ابنة العمّة وابنة الخالة . وكان اليهود يقولون : لا تحرم الأخت التي للأب ولا تحرم العمّة ولا الخالة ولا العّم ولا الخال . وعبّر عن جميع ذلك بالشهوات لأنّ مجيء الإسلام قد بيّن انتهاء إباحة ما أبيح في الشرائع الأخرى ، بله ما كان حراماً في الشرائع كلّها وتساهل فيه أهل الشرك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.