فلما رأى موسى عليه السلام عتوهم عليه { قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي } أي : فلا يدان لنا بقتالهم ، ولست بجبار على هؤلاء . { فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } أي : احكم بيننا وبينهم ، بأن تنزل فيهم من العقوبة ما اقتضته حكمتك ، ودل ذلك على أن قولهم وفعلهم من الكبائر العظيمة الموجبة للفسق .
وقوله : { قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } يعني : لما نكل بنو إسرائيل عن القتال غضب عليهم موسى عليه السلام ، وقال داعيا عليهم : { رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي } أي : ليس أحد يطيعني منهم فيمتثل أمر الله ، ويجيب إلى ما دعوتَ إليه إلا أنا وأخي هارون ، { فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } قال العَوْفِي ، عن ابن عباس : يعني اقض بيني وبينهم . وكذا قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس .
وكذا قال الضحاك : اقض بيننا وبينهم ، وافتح بيننا وبينهم ، وقال غيره : افرق : افصل بيننا وبينهم ، كما قال الشاعر{[9565]} :
{ قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي } قاله شكوى بثه وحزنه إلى الله سبحانه وتعالى لما خالفه قومه وأيس منهم ، ولم يبق معه موافق يثق به غير هارون عليه السلام والرجلان المذكوران وإن كانا يوافقانه لم يثق عليهما لما كابد من تلون قومه ، ويجوز أن يراد بأخي من يواخيني في الدين فيدخلان فيه ، ويحتمل نصبه عطفا على نفسي ، أو على اسم إن ورفعه عطفا على الضمير في { لا أملك } ، أو على محل إن واسمها ، وجره عند الكوفيين عطفا على الضمير في نفسي . { فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } بأن تحكم لنا بما نستحقه وتحكم عليهم بما يستحقونه ، أو بالتبعيد بيننا وبينهم وتخليصنا من صحبتهم .
ولما سمع موسى عليه السلام قولهم ورأى عصيانهم تبرأ إلى الله تعالى منهم ، وقال داعياً عليهم : { رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي } يعني هارون ، وقوله : { وأخي } يحتمل أن يكون إعرابه رفعاً إما على الابتداء والتقدير وأخي لا يملك إلا نفسه ، وإما على العطف على الضمير الذي في { أملك } تقديره لا أملك أنا ، ويحتمل أن يكون إعرابه نصباً على العطف على { نفسي } ، وذلك لأن هارون كان يطيع «موسى » فلذلك أخبر أنه يملكه{[4505]} ، وقرأ الحسن «إلا نفسيَ وأخي » بفتح الياء فيهما ، وقوله : { فافرق بيننا } دعاء حرج ، قال السدي ، هي عجلة عجلها موسى عليه السلام ، وقال ابن عباس والضحاك وغيرهما : المعنى افصل بيننا وبينهم بحكم وافتح ، فالمعنى احكم بحكم يفرق هذا الاختلاف ويلم الشعث .
قال القاضي أبو محمد : وعلى هذا التأويل فليس في الدعاء عجلة ، وقال قوم : المعنى «فافرق بيننا وبينهم » في الآخرة حتى تكون منزلة المطيع مفارقة لمنزلة العاصي الفاسق ، ويحتمل الدعاء أن يكون معناه : «فرق بيننا وبينهم » بمعنى أن يقول :«فقدنا وجوههم وفرق بيننا وبينهم » حتى لا نشقى بفسقهم ، وبهذا الوجه تجيء العجلة في الدعاء ، وقرأ عبيد بن عمير «فافرِق » بكسر الراء .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
..فغضب موسى عليهم، و {قال رب إني لا أملك} من الطاعة {إلا نفسي وأخي} هارون، {فافرق بيننا}: فاقض بيننا {وبين القوم الفاسقين}: العاصين الذين عصوا أن يقاتلوا عدوهم، وهم كلهم مؤمنون.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وهذا خبر من الله جلّ وعزّ عن قيل قوم موسى حين قال له قومه ما قالوا من قولهم:"إنّا لَنْ نَدْخُلَها أبَدا ما دَامُوا فِيها فاذْهَبْ أنْتَ وَرَبّكَ فَقاتِلا إنّا هَهُنا قاعِدُونَ" أنه قال عند ذلك، وغضب من قيلهم لهم داعيا: يا ربّ "إنّي لا أمْلِكُ إلاّ نَفْسِي وأخِي "يعني بذلك: لا أقدر على أحد أن أحمله على ما أحبّ وأريد من طاعتك واتباع أمرك ونهيك، إلا على نفسي وعلى أخي. من قول القائل: ما أملك من الأمر شيئا إلا كذا وكذا، بمعنى: لا أقدر على شيء غيره.
"فافْرُقْ بَيْنَنا وبينَ القَوْمِ الفاسِقِينَ": افصل بيننا وبينهم بقضاء منك تقضيه فينا وفيهم فتبعدهم منا، من قول القائل: فَرَقت بين هذين الشيئين، بمعنى: فصلت بينهما... فقضى الله جلّ ثناؤه بينه وبينهم أن سماهم فاسقين.
"الفاسِقِينَ": الخارجين عن الإيمان بالله وبه، إلى الكفر بالله وبه. وقد دللنا على أن معنى الفسق: الخروج من شيء إلى شيء.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين} قال قائلون: إنما طلب موسى، عليه السلام، الفرقة [بينه] وبين الذين أبوا الدخول فيها، وقالوا {لن ندخلها أبدا ما داموا فيها} وقال قائلون: إنما طلب موسى عليه السلام الفرقة بينهم وبين الجبابرة الذين كانوا في الأرض التي أمروا فيها والقتال معهم، والله أعلم.
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي} هذا مجازٌ، لأن الإنسان لا يملك نفسه ولا أخاه الحرّ على الحقيقة؛ وذلك لأن أصل الملك القدرة ومحالٌ أن يقدر الإنسان على نفسه أو على أخيه، ثم أُطلق اسم الملك على التصرّف فجُعِلَ المملوك في حكم المقدور عليه، إذ كان له أن يُصَرِّفه تصرّف المقدور عليه؛ وإنما معناه ههنا أنه يملك تصريف نفسه في طاعة الله، وأطلقه على أخيه أيضاً إذا كان يتصرف بأمره وينتهي إلى قوله؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ما أحَدٌ أَمَنَّ عليَّ بنَفْسِهِ وذَاتِ يَدِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ" فبكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله! يعني أني متصرف حيث صرفتني وأمْرُك جائز في مالي. وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: "أَنْتَ وَمَالُكَ لأبِيكَ "ولم يُرِدْ به حقيقة الملك.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
لما عصوه وتمرّدوا عليه وخالفوه وقالوا ما قالوا من كلمة الكفر ولم يبق معه مطيع موافق يثق له إلا هارون {قَالَ رَبّ إِنّى لا أَمْلِكُ} لنصرة دينك {إِلاَّ نَفْسِى وَأَخِي} وهذا من البث والحزن والشكوى إلى الله والحسرة ورقة القلب التي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة ونحوه قول يعقوب عليه السلام {إِنَّمَا أَشْكُو بَثّي وحزني إِلَى الله} [يوسف: 86]. وعن عليّ رضي الله عنه أنه كان يدعو الناس على منبر الكوفة إلى قتال البغاة، فما أجابه إلا رجلان فتنفس الصعداء. ودعا لهما وقال: أين تقعان مما أريد؟ وذكر في إعراب (أخي) وجوه: أن يكون منصوباً عطفاً على نفسي أو على الضمير في (إني) بمعنى: ولا أملك إلا نفسي وإن أخي لا يملك إلا نفسه. ومرفوعا عطفاً على محل إن واسمها. كأنه قيل: أنا لا أملك إلا نفسي، وهارون كذلك لا يملك إلا نفسه أو على الضمير في لا أملك. وجاز للفصل مجروراً عطفاً على الضمير في نفسي، وهو ضعيف لقبح العطف على ضمير المجرور إلا بتكرير الجار.
فإن قلت: أما كان معه الرجلان المذكوران؟ قلت: كأنه لم يثق بهما كل الوثوق ولم يطمئن إلى ثباتهما، لما ذاق على طول الزمان واتصال الصحبة من أحوال قومه وتلونهم وقسوة قلوبهم، فلم يذكر إلا النبي المعصوم الذي لا شبهة في أمره، ويجوز أن يقول ذلك لفرط ضجره عندما سمع منهم تقليلاً لمن يوافقه. ويجوز أن يريد: ومن يؤاخيني على ديني. {فافرق}: فافصل {بَيْنِنَا} وبينهم بأن تحكم لنا بما نستحق، وتحكم عليهم بما يستحقون، وهو في معنى الدعاء عليهم. ولذلك وصل به قوله: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} على وجه التسبيب، أو فباعد بيننا وبينهم وخلصنا من صحبتهم كقوله: {وَنَجّنِي مِنَ القوم الظالمين} [القصص: 21].
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
{فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين} ظاهره أنه دعا بأن يفرق الله بينهما وبينهم بأن يفقد وجوههم ولا يشاهد صورهم إذا كانوا عاصين له مخالفين أمر الله تعالى، ولذلك نبه على العلة الموجبة للتفرقة بينهم وبين الفسق فالمطيع لا يريد صحبة الفاسق ولا يؤثرها لئلا يصيبه بالصحبة ما يصيبه، {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}، "...أنهلك وفينا الصالحون؟...".
وقبل الله دعاءه فلم يكونا معهم في التيه، بل فرق بينه وبينهم، لأن التيه كان عقاباً خص به الفاسقون العاصون.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
فكأنه قيل: فما قال موسى عليه السلام؟ فقيل: {قال} لما أيس منهم معرضاً عنهم شاكياً إلى الله تعالى {رب} أي أيها المحسن إليّ.
ولما كان من حق الرسول أن يقيه كل أحد بنفسه وولده فكيف بما دون ذلك، فكان لا يصدق أحد أن أتباعه لا يطيعونه، جرى على طبع البشر وإن كان يخاطب علام الغيوب قال مؤكداً: {إني} ولما فهم من أمر الرجلين لهم بالدخول أنهما قيّدا دخولهما بدخول الجماعة، خص في قوله: {لا أملك إلا نفسي وأخي} أي ونحن مطيعان لما تأمر به {فافرق بيننا} أي أنا وأخي {وبين القوم الفاسقين} أي الخارجين عن الطاعة قولاً وفعلاً، ولا تجمعنا معهم في بين واحد، في فعل ولا جزاء
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي} هذا القول من موسى عليه السلام، صورته خبر ومعناه إنشاء، فهو من بث الحزن والشكوى إلى الله، والاعتذار إليه والتنصل من فسق قومه عن أمره، الذي يبلغه عن ربه، ومعنى العبارة إنني لا أملك أمر أحد أحمله على طاعتك إلا أمر نفسي وأمر أخي، ولا أثق بغيرنا أن يطيعك في اليسر والعسر والمنشط والمكره. وهذا يدل على أنه لم يكن يوقن بثبات يوشع وكالب على ما كانا عليه من الرغبة والترغيب في الطاعة، إذا أمر الله موسى أن يدخل أرض الجبارين ويتصدى لقتالهم هو ومن يتبعه، فإن الذي يجرأ على القتال مع الجيش الكثير، يجوز ألا يجرؤ عليه من النفر القليل، وأما ثقته بأخيه فلعلمه اليقيني بأن الله تعالى أيده بمثل ما أيده به، ولو لم يعلم هذا بإعلام لله ووحيه، وما يجده من الوجدان الضروري في نفسه، لكان بلاؤه معه في مقاومة فرعون وقومه، ثم في سياسة بني إسرائيل معه وفي حال انصرافه لمناجاة ربه، ما يكفي للثقة التامة. فلفظ (أخي) معطوف على (نفسي) وجعله بعضهم معطوفا على الضمير في (إني) أي وأخي كذلك لا يملك إلا نفسه.
{فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} الفرق الفلق والفصل بين الشيئين أو الأشياء، ومنه فرق الشعر، ويطلق على القضاء وفصل الخصومات، وذلك قسمان حسي ومعنوي، ومعنى الجملة هنا: فافصل بيننا – يعني نفسه وأخاه – وبين القوم الفاسقين عن الطاعة وهم جماعة بني إسرائيل، بقضاء تقضيه بيننا، إذ صرنا خصما لهم وصاروا خصما عن الطاعة وهم جماعة بني إسرائيل، بقضاء تقضيه بيننا، إذ صرنا خصما لهم وصاروا خصما لنا. وقيل معناها: إذا أخذتهم بالعقاب على فسوقهم فلا تعاقبنا معهم في الدنيا، وقيل الآخرة. والأول هو المختار الموافق لقوله: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ}.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
فلما رأى موسى عليه السلام عتوهم عليه {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي} أي: فلا يدان لنا بقتالهم، ولست بجبار على هؤلاء. {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} أي: احكم بيننا وبينهم، بأن تنزل فيهم من العقوبة ما اقتضته حكمتك، ودل ذلك على أن قولهم وفعلهم من الكبائر العظيمة الموجبة للفسق.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
دعوة فيها الألم، وفيها الالتجاء، وفيها الاستسلام، وفيها -بعد ذلك- المفاصلة والحسم والتصميم! وإنه ليعلم أن ربه يعلم أنه لا يملك إلا نفسه وأخاه.. ولكن موسى في ضعف الإنسان المخذول، وفي إيمان النبي الكليم، وفي عزم المؤمن المستقيم، لا يجد متوجها إلا لله، يشكو له بثه ونجواه، ويطلب إليه الفرقة الفاصلة بينه وبين القوم الفاسقين، فما يربطه بهم شيء بعد النكول عن ميثاق الله الوثيق.. ما يربطه بهم نسب، وما يربطه بهم تاريخ، وما يربطه بهم جهد سابق. إنما تربطه بهم هذه الدعوة إلى الله، وهذا الميثاق مع الله، وقد فصلوه، فانبت ما بينه وبينهم إلى الأعماق، وما عاد يربطه بهم رباط.. إنه مستقيم على عهد الله وهم فاسقون.. إنه مستمسك بميثاق الله وهم ناكصون.. هذا هو أدب النبي.. وهذه هي خطة المؤمن، وهذه هي الآصرة التي يجتمع عليها أو يتفرق المؤمنون.. لا جنس، لا نسب، لا قوم، لا لغة، لا تاريخ، لا وشيجة من كل وشائج الأرض، إذا انقطعت وشيجة العقيدة، وإذا اختلف المنهج والطريق..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ومعنى {افرق بيننا وبين القوم الفاسقين} أن لا تؤاخذنا بجرمهم، لأنّه خشي أن يصيبهم عذاب في الدنيا فيهلك الجميع فطلب النّجاة، ولا يصحّ أن يريد الفرق بينهم في الآخرة؛ لأنّه معلوم أنّ الله لا يؤاخذ البريء بذنب المجرم، ولأنّ براءة موسى وأخيه من الرضا بما فعله قومهم أمر يعلمه الله، ويجوز أن يراد بالفرق بينهم الحكم بينهم وإيقاف الضّالين على غلطهم.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
ابتدأ موسى عليه السلام قوله بالاتجاه إلى ربه الذي خلقه ورباه وكون جسمه ونفسه، وذلك بالضراعة إليه وبيان أنه أعلم بحاله وأنه في طاعته لا يخرج عنها، ثم قرر المعذرة وهو أنه لا يملك من أمرهم شيئا وإنما الأمر كله إلى الله تعالى وأنه لا يستطيع أن يجعل من ضعف نفوسهم قوة، ولا من استخذائهم عزة، ولا من تقاعدهم همة، ولا يملك إلا نفسه وأخاه فهو لا يضمن إلا إياهما وهما وحدهما لا يملكان الدخول إلى هذه الأرض، والمراد بأخيه سيدنا هارون عليه السلام وقد أكدت المعذرة ب "إن "وبالقصر، وعبر عن هارون بأخيه للإشارة إلى قوة إحساسه بأنه معه في طاعة ربه وعدم عصيانه فيما أمر...
والمؤدى من قول سيدنا موسى هذا هو أنه يبرئ نفسه منهم، ومن عملهم وخذلانهم والفاسق هو الخارج المنفصل بالحس أو المعنى، والمعنى: افرق بيننا وبين هؤلاء الذين خرجوا عن الطاعة وعن مناط العزة ورضوا بالذلة والهوان.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
وشعر موسى بالحرج، فلم يعد لديه أيّة سلطة أو قوّة يمكن أن يمارسها على هؤلاء النّاس، وكان يريد أن يُعذر إلى الله ليخرج من حدود المسؤوليّة، على رضى من الله ومحبة، فتوجه إلى الله ليعلن إليه ما يعلمه الله من ظروفه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وأَخي}، ولا أملك أحداً من هؤلاء في ما يملكه القائد من أمر جنوده، {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ}، الَّذين خرجوا عن طاعتك وتمردوا على رسولك. وجاءتهم العقوبة الّتي يستحقها الخائفون المهزومون الَّذين رفضوا الهدى، فلا يستأهلون النصر إذا لم يعملوا له، فكتب الله عليهم أن يظلوا في التيه أربعين سنة.