الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

قوله تعالى : { وَأَخِي } : في ستة أوجه أظهرها : أنه منصوب عطفاً على " نفسي " والمعنى : ولا أملك إلا أخي مع مِلْكي لنفسي دون غيرنا . الثاني : أنه منصوبٌ عطفاً على اسمِ " إنَّ " ، وخبرُه محذوفٌ للدلالة اللفظية عليه أي : وإنَّ أخي لا يملك إلا نفسَه . الثالث : أنه مرفوعٌ عطفاً على محل اسم " إنَّ " لأنه بعد استكمالِ الخبر ، على خلافٍ في ذلك ، وإن كان بعضُهم قد ادَّعى الإِجماعَ على جوازِه . الرابع : أنه مرفوعٌ بالابتداء وخبرُه محذوفٌ للدلالة المتقدمة ، ويكون قد عَطَف جملةً غيرَ مؤكدة على جملة مؤكَّدة ب " إنَّ " الخامس : انه مرفوع عطفاً على الضمير المستكنِّ في " أملك " ، والتقدير : ولاَ يَمْلِكُ أخي إلا نفسَه ، وجاز ذلك للفصلِ بقوله : { إِلاَّ نَفْسِي } وقال بهذا الزمخشري ومكي وابن عطية وأبو البقاء وردَّ الشيخ هذا الوجهَ بأنه يلزم منه أن موسى وهرون لا يملكان إلا نفسَ موسى فقط ، وليس المعنى على ذلك " . وهذا الردُّ ليس بشيءٍ ، لأنه القائلَ بهذا الوجهِ صرَّح بتقدير المفعول بعد الفاعل المعطوف ، وأيضاً اللَّبْسُ مأمونٌ ، فإنَّ كلَّ أحدٍ يتبادر إلى ذهنه انه يملك أمرَ نفسِه . السادس : أنه مجرورٌ عطفاً على الياء في " نفسي " أي : إلا نفسي ونفسَ أخي ، وهو ضعيفٌ على قواعد البصريين للعطف على الضمير المجرور مِنْ غيرِ إعادةِ الجارّ وقد تقدَّم ما فيه .

والحسن البصري يقْرأ فتحِ ياء " نفسي " و " أخي " وقرأ يوسف ابن داود وعبيد بن عمير : " فافرِقْ " بكسرِ الراء وهي لغة : فَرَق يفرِق كيضرِب . قال الراجز :

يا ربِّ فافرُقْ بينه وبيني *** أشدَّ مَا فرَّقْتَ بين اثنَيْنِ

وقرأ ابن السَّمَيْفَع : " فَفرَّقْ " مضعفاً وهي مخالفةٌ للرسم . و " بين " معمولةٌ ل " افْرُق " ، وكان مِنْ حَقِّها ألاَّ تُكَرَّر في العطف ، تقول : المال بين زيد وعمرو " وإنما كُرِّرت للاحتياج إلى تكرُّرِ الجار في العطف على الضمير المجرور ، وهو يؤيِّدُ مذهبَ البصريين .