{ قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي } لما عصوا أمر الله وتمردوا على موسى وسمع منهم ما سمع من كلمة الكفر وسوء الأدب مع الله ولم يبق معه من يثق به إلا هارون قال ذلك ، وهذا من الكلام المنطوي صاحبه على الالتجاء إلى الله والشكوى إليه ، ورقة القلب التي تستجلب الرّحمة وتستنزل النصرة ونحوه قول يعقوب : { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله } وعن علي أنه كان يدعو الناس على منبر الكوفة إلى قتال المنافقين فما أجابه إلا رجلان ، فتنفس الصعداء ودعا لهما وقال : أين تتبعان مما أريد ؟ والظاهر إنّ وأخي معطوف على نفسي ، ويحتمل أن يكون وأخي مرفوعاً بالابتداء ، والخبر محذوف لدلالة ما قبله عليه أي : وأخي لا يملك إلا نفسه ، فيكون قد عطف جملة غير مؤكدة على جملة مؤكدة ، أو منصوباً عطفاً على اسم إنّ أي : وإن أخي لا يملك إلا نفسه ، والخبر محذوف ، ويكون قد عطف الاسم والخبر على الخبر نحو : إن زيداً قائم وعمراً شاخص ، أي : وإنّ عمراً شاخص .
وأجاز ابن عطية والزمخشري أن يكون وأخي مرفوعاً عطفاً على الضمير المستكن في أملك ، وأجاز ذلك للفصل بينهما بالمفعول المحصور .
ويلزم من ذلك أنّ موسى وهارون عليهما السلام لا يملكان إلا نفس موسى فقط ، وليس المعنى على ذلك ، بل الظاهر أنّ موسى يملك أمر نفسه وأمر أخيه فقط .
وجوز أيضاً أن يكون مجروراً معطوفاً على ياء المتكلم في نفسي ، وهو ضعيف على رأي البصريين .
وكأنه في هذا الحصر لم يثق بالرجلين اللذين قالا : ادخلوا عليهم الباب ، ولم يطمئن إلى ثباتهما لما عاين من أحوال قومه وتلونهم مع طول الصحبة ، فلم يذكر إلا النبي المعصوم الذي لا شبهة في ثباته .
قيل : أو قال ذلك على سبيل الضجر عندما سمع منهم تعليلاً لمن يوافقه ، أو أراد بقوله : وأخي ، من يوافقني في الدين لا هارون خاصة .
وقرأ الحسن : إلا نفسي وأخي بفتح الياء فيهما .
{ فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } ظاهره أنه دعا بأن يفرق الله بينهما وبينهم بأن يفقد وجوههم ولا يشاهد صورهم إذا كانوا عاصين له مخالفين أمر الله تعالى ، ولذلك نبه على العلة الموجبة للتفرقة بينهم وبين الفسق فالمطيع لا يريد صحبة الفاسق ولا يؤثرها لئلا يصيبه بالصحبة ما يصيبه ، { واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة } { أنهلك وفينا الصالحون } وقبل الله دعاءه فلم يكونا معهم في التيه ، بل فرق بينه وبينهم ، لأن التيه كان عقاباً خص به الفاسقون العاصون .
وقال ابن عباس والضحاك وغيرهما : المعنى فافصل بيننا بحكم يزيل هذا الاختلاف ويلمّ الشعث .
وقيل : المعنى فافرق بيننا وبينهم في الآخرة حتى تكون منزلة المطيع مفارقة لمنزلة العاصي الفاسق .
وقال الزمخشري : فافصل بيننا وبينهم بأن تحكم لنا بما نستحق ، وعليهم بما يستحقون ، وهو في معنى الدعاء عليهم ، ولذلك وصل به قوله : فإنها محرمة عليهم ، على وجه التشبيه .
وقرأ عبيد بن عمير ويوسف بن داود : فافرِق بكسر الراء وقال الراجز :
يا رب فافرق بينه وبيني *** أشدّ ما فرّقت بين اثنين
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.