الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

قوله تعالى : " قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي " لأنه كان يطيعه . وقيل المعنى : إني لا أملك إلا نفسي ، ثم ابتدأ فقال : " وأخي " . أي وأخي أيضا لا يملك إلا نفسه ؛ فأخي على القول الأول في موضع نصب عطفا على نفسي ، وعلى الثاني في موضع رفع ، وإن شئت عطفت على اسم إن وهي الياء ؛ أي إني وأخي لا نملك إلا أنفسنا . وإن شئت عطفت على المضمر في أملك كأنه قال : لا أملك أنا وأخي إلا أنفسنا . " فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين " يقال : بأي وجه سأله الفرق بينه وبين هؤلاء القوم ؟ ففيه أجوبة . الأول : بما يدل على بعدهم عن الحق ، وذهابهم عن الصواب فيما ارتكبوا من العصيان ؛ ولذلك ألقوا في التيه . الثاني : بطلب التمييز أي ميزنا عن جماعتهم وجملتهم ولا تلحقنا بهم في العقاب ، وقيل المعنى : فاقض بيننا وبينهم بعصمتك إيانا من العصيان الذي ابتليتهم به ، ومنه قوله تعالى : " فيها يفرق كل أمر حكيم " {[5443]} [ الدخان : 4 ] أي يقضي . وقد فعل لما أماتهم في التيه . وقيل : إنما أراد في الآخرة ، أي اجعلنا في الجنة ولا تجعلنا معهم في النار ، والشاهد على الفرق الذي يدل على المباعدة في الأحوال قول الشاعر :

يا ربِّ فافرُقْ بينَه وبيني *** أشدَّ ما فَرَّقْتَ بينَ اثنينِ

وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير أنه قرأ : " فافرق " بكسر الراء .


[5443]:راجع ج 16 ص 126.