الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

لما عصوه وتمرّدوا عليه وخالفوه وقالوا ما قالوا من كلمة الكفر ولم يبق معه مطيع موافق يثق له إلا هارون { قَالَ رَبّ إِنّى لا أَمْلِكُ } لنصرة دينك { إِلاَّ نَفْسِى وَأَخِى } وهذا من البث والحزن والشكوى إلى الله والحسرة ورقة القلب التي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة ونحوه قول يعقوب عليه السلام { إِنَّمَا أَشْكُو بَثّى وحزني إِلَى الله } [ يوسف : 86 ] . وعن عليّ رضي الله عنه أنه كان يدعو الناس على منبر الكوفة إلى قتال البغاة ، فما أجابه إلا رجلان فتنفس الصعداء . ودعا لهما وقال : أين تقعان مما أريد ؟ وذكر في إعراب ( أخي ) وجوه : أن يكون منصوباً عطفاً على نفسي أو على الضمير في ( إني ) بمعنى : ولا أملك إلا نفسي وإن أخي لا يملك إلا نفسه . ومرفوعا عطفاً على محل إن واسمها . كأنه قيل : أنا لا أملك إلا نفسي ، وهارون كذلك لا يملك إلا نفسه أو على الضمير في لا أملك . وجاز للفصل . مجروراً عطفاً على الضمير في نفسي ، وهو ضعيف لقبح العطف على ضمير المجرور إلا بتكرير الجار .

فإن قلت : أما كان معه الرجلان المذكوران ؟ قلت : كأنه لم يثق بهما كل الوثوق ولم يطمئن إلى ثباتهما ، لما ذاق على طول الزمان واتصال الصحبة من أحوال قومه وتلونهم وقسوة قلوبهم ، فلم يذكر إلا النبي المعصوم الذي لا شبهة في أمره ، ويجوز أن يقول ذلك لفرط ضجره عندما سمع منهم تقليلاً لمن يوافقه . ويجوز أن يريد : ومن يؤاخيني على ديني { فافرق } فافصل { بَيْنِنَا } وبينهم بأن تحكم لنا بما نستحق ، وتحكم عليهم بما يستحقون ، وهو في معنى الدعاء عليهم . ولذلك وصل به قوله : { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } على وجه التسبيب ، أو فباعد بيننا وبينهم وخلصنا من صحبتهم كقوله : { وَنَجّنِى مِنَ القوم الظالمين } [ القصص : 21 ] .