مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

ثم إنه تعالى حكى عن موسى عليه السلام أنه لما سمع منهم هذا الكلام { قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي } ذكر الزجاج في إعراب قوله { وأخي } وجهين : الرفع والنصب ، أما الرفع فمن وجهين : أحدهما : أن يكون نسقا على موضع { إني } والمعنى أنا لا أملك إلا نفسي ، وأخي كذلك ومثله قوله { أن الله برئ من المشركين ورسوله } والثاني : أن يكون عطفا على الضمير في { أملك } وهو " أنا " والمعنى : لا أملك أنا وأخي إلا أنفسنا ، وأما النصب فمن وجهين : أحدهما أن يكون نسقا على الياء ، والتقدير : إني وأخي لا نملك إلا أنفسنا ، والثاني : أن يكون { أخي } معطوفا على { نفسي } فيكون المعنى لا أملك إلا نفسي ، ولا أملك إلا أخي ، لأن أخاه إذا كان مطيعا له فهو مالك طاعته .

فإن قيل : لم قال لا أملك إلا نفسي وأخي ، وكان معه الرجلان المذكوران ؟

قلنا : كأنه لم يثق بهما كل الوثوق لما رأى من إطباق الأكثرين على التمرد ، وأيضا لعله إنما قال ذلك تقليلا لمن يوافقه ، وأيضا يجوز أن يكون المراد بالأخ من يواخيه في الدين ، وعلى هذا التقدير فكانا داخلين في قوله { وأخي } .

ثم قال : { فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين } يعني فافصل بيننا وبينهم بأن تحكم لنا بما نستحق وتحكم عليهم بما يستحقون ، وهو في معنى الدعاء عليهم ، ويحتمل أن يكون المراد خلصنا من صحبتهم ، وهو كقوله { ونجنى من القوم الظالمين } .