اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (25)

ثُمَّ إنَّ مُوسى - عليه السلام - لمَّا سَمِع مِنْهُم هذا الكلام قال : { رَبِّ إنِّي لا أمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وأخِي } . في إعْرَاب " أخي " سِتَّةُ أوْجُه :

أظهرها : أنَّهُ مَنْصُوبٌ عَطْفاً على " نَفْسِي " ، والمعنى{[11401]} : لا أمْلِكُ إلاَّ أخِي مع مِلْكِي لِنَفْسي دُونَ غَيْرنَا .

الثاني : أنَّهُ مَنْصُوبٌ عَطْفاً على اسْمِ " إنَّ " ، وخَبَرُهَا محذوفٌ للدَّلالة اللَّفْظِيَّة عَلَيْه ، أي : وإنَّ أخِي لا يَمْلِكُ إلا نَفْسَه .

الثالث : أنَّهُ مرفوع عَطْفاً على مَحَلِّ اسم " إنَّ " ؛ لأنَّه يُعَدُّ استكمال الخَبر على خلافٍ في ذَلِك ، وإن كان بَعْضُهم قد ادَّعى{[11402]} الإجْمَاعَ على جَوَازه .

الرابع : أنَّهُ مَرْفُوع بالابْتِدَاء ، وخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ للدَّلالة المتقدِّمَة ، ويكون قد عَطفَ جُمْلَة غَيْرَ مُؤكَّدَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ مُؤكَّدَة [ ب " إنَّ " ]{[11403]} .

الخامس : أنَّه مَرْفُوعٌ عَطْفاً على الضَّمير المُستكِنِّ في " أمْلك " ، والتَّقْدير : ولا يَملِكُ أخي إلا نَفْسَه ، [ وجاز ذلك لِلْفَصْل بقوله : " إلاَّ نَفْسِي " ]{[11404]} وقال بهذا الزَّمَخْشَرِيُّ{[11405]} ، ومَكِّي{[11406]} ، وابنُ عطيَّة{[11407]} ، وأبُو البقاء{[11408]} ورَدّ أبُو حَيَّان{[11409]} هذا الوَجْهَ ، بأنَّه يلزم منه أنَّ مُوسَى وهَارُون لا يَمْلِكَان إلاَّ نَفْسَ مُوسَى فَقَطْ [ وَلَيْس المَعْنَى على ذَلِك ]{[11410]} ، وهذا الرَّدُّ لَيْس بِشَيْءٍ ؛ لأنَّ القائِل بهذا الوَجْهِ صَرَّح بِتَقْديرِ المفعول بَعْد الفاعِلِ المَعْطُوف .

وأيضاً اللَّبْسُ مأمُونٌ ، فإن كلَّ أحِدٍ يَتَبادَرُ إلى ذِهْنِهِ أنَّهُ يَمْلِكُ أمْرَ نَفْسِهِ .

السادس : أنَّه مَجْرُورٌ عطفاً على " اليَاء " في " نَفْسِي " ، أي : إلاَّ نَفْسِي ونَفْس أخِي ، وهو ضعيفٌ على قَوَاعِدِ البَصْريِّين لِلْعَطْفِ على الضَّمِير المَجْرُور من غَيْر إعادَةِ الجَارِّ ، وقد تقدَّم ما فيه .

والحَسَن البَصْرِيُّ{[11411]} يقرأ بِفَتْح [ ياء ]{[11412]} " نَفْسِي " ، و " أخِي " .

وقرأ يوسُف بن دَاوُد وعُبَيْد بن عُمَيْر{[11413]} " فَافْرِق " بِكَسْرِ الرَّاء ، وهي لُغَةٌ : فَرَقَ يَفْرِق ك " يضرب " قال الراجز : [ الرجز ]

يا رَب فَافْرِقْ بَيْنَهُ وبَيْنِي{[11414]} *** أشَدَّ ما فَرَّقْت بَيْنَ اثْنَيْنِ{[11415]}

وقرأ ابن السَّمَيْفَع{[11416]} " فَفَرِّقْ " مُضَعَّفاً ، وهي مُخَالِفَةٌ للرَّسْم و " بَيْنَ " معمولة ل " افْرُق " ، وكان من حَقِّها ألا تكرَّرَ في العَطْفِ ، تقُولَ : المَالُ بَيْن زَيْدٍ وعَمْرو ، وإنَّما كرِّرَت للاحْتِيَاج إلى تكررِ الجارِّ في العَطْفِ على الضِّمِير المَجْرُور ، وهو يُؤيِّد مَذْهَب البَصْريِّين .

فإن قيل : لم قال : { لا أمْلِكُ إلاَّ نَفْسِي وَأخِي } وكان مَعَهُ الرَّجُلان المَذْكُورَان ؟ .

فالجواب : كأنَّه لم يَثِقْ بِهِمَا كُلَّ الوُثُوق لِمَا رَأى [ من ]{[11417]} إطباقِ الأكْثَرِين على التَّمَرُّد{[11418]} ، ولَعَلَّهُ إنَّما قَالَ ذَلِكَ تَقْلِيلاً لمن وَافَقَهُ ، أو يكُون المُرَادُ بالأخِ مَنْ يُؤاخِيهِ في الدِّين ، وعلى هذا يَدْخل الرَّجُلان .

والمُرادُ بقوله : { فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } أي : افْصِلْ بَيْنَنَا وبَيْنَهُم ، بأنْ تَحْكُم لَنَا بما تَسْتَحِقُّ وتحْكُم عَلَيْهِم بما يَسْتَحِقُّون ، وهُوَ في مَعْنَى الدُّعَاء عَلَيْهِم ، أو يكون المَعْنَى : خَلِّصْنَا من صُحْبَتِهِم ، وهو كقوله : { نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [ القصص : 21 ] .


[11401]:في أ: والضمير.
[11402]:في أ: أدى.
[11403]:في أ: بأل.
[11404]:سقط في أ.
[11405]:ينظر: الكشاف 1/622.
[11406]:ينظر: المشكل 1/225.
[11407]:ينظر: المحرر الوجيز 2/176.
[11408]:ينظر: الإملاء 1/213.
[11409]:ينظر: البحر المحيط 3/471-472.
[11410]:في أ: دليل المعنى عليه على ذلك.
[11411]:ينظر: المحرر الوجيز 2/176، والبحر المحيط 3/472، والدر المصون 2/508.
[11412]:سقط في أ.
[11413]:ينظر: تخريج القراءة السابقة.
[11414]:في أ: بين وبينه.
[11415]:ينظر: مجاز القرآن 1/160، البحر المحيط 3/472، الطبري 4/522، الدر المصون 2/508.
[11416]:ينظر: البحر المحيط 3/472، والدر المصون 2/508.
[11417]:سقط في أ.
[11418]:في أ: التردد.