ثُمَّ إنَّ مُوسى - عليه السلام - لمَّا سَمِع مِنْهُم هذا الكلام قال : { رَبِّ إنِّي لا أمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وأخِي } . في إعْرَاب " أخي " سِتَّةُ أوْجُه :
أظهرها : أنَّهُ مَنْصُوبٌ عَطْفاً على " نَفْسِي " ، والمعنى{[11401]} : لا أمْلِكُ إلاَّ أخِي مع مِلْكِي لِنَفْسي دُونَ غَيْرنَا .
الثاني : أنَّهُ مَنْصُوبٌ عَطْفاً على اسْمِ " إنَّ " ، وخَبَرُهَا محذوفٌ للدَّلالة اللَّفْظِيَّة عَلَيْه ، أي : وإنَّ أخِي لا يَمْلِكُ إلا نَفْسَه .
الثالث : أنَّهُ مرفوع عَطْفاً على مَحَلِّ اسم " إنَّ " ؛ لأنَّه يُعَدُّ استكمال الخَبر على خلافٍ في ذَلِك ، وإن كان بَعْضُهم قد ادَّعى{[11402]} الإجْمَاعَ على جَوَازه .
الرابع : أنَّهُ مَرْفُوع بالابْتِدَاء ، وخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ للدَّلالة المتقدِّمَة ، ويكون قد عَطفَ جُمْلَة غَيْرَ مُؤكَّدَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ مُؤكَّدَة [ ب " إنَّ " ]{[11403]} .
الخامس : أنَّه مَرْفُوعٌ عَطْفاً على الضَّمير المُستكِنِّ في " أمْلك " ، والتَّقْدير : ولا يَملِكُ أخي إلا نَفْسَه ، [ وجاز ذلك لِلْفَصْل بقوله : " إلاَّ نَفْسِي " ]{[11404]} وقال بهذا الزَّمَخْشَرِيُّ{[11405]} ، ومَكِّي{[11406]} ، وابنُ عطيَّة{[11407]} ، وأبُو البقاء{[11408]} ورَدّ أبُو حَيَّان{[11409]} هذا الوَجْهَ ، بأنَّه يلزم منه أنَّ مُوسَى وهَارُون لا يَمْلِكَان إلاَّ نَفْسَ مُوسَى فَقَطْ [ وَلَيْس المَعْنَى على ذَلِك ]{[11410]} ، وهذا الرَّدُّ لَيْس بِشَيْءٍ ؛ لأنَّ القائِل بهذا الوَجْهِ صَرَّح بِتَقْديرِ المفعول بَعْد الفاعِلِ المَعْطُوف .
وأيضاً اللَّبْسُ مأمُونٌ ، فإن كلَّ أحِدٍ يَتَبادَرُ إلى ذِهْنِهِ أنَّهُ يَمْلِكُ أمْرَ نَفْسِهِ .
السادس : أنَّه مَجْرُورٌ عطفاً على " اليَاء " في " نَفْسِي " ، أي : إلاَّ نَفْسِي ونَفْس أخِي ، وهو ضعيفٌ على قَوَاعِدِ البَصْريِّين لِلْعَطْفِ على الضَّمِير المَجْرُور من غَيْر إعادَةِ الجَارِّ ، وقد تقدَّم ما فيه .
والحَسَن البَصْرِيُّ{[11411]} يقرأ بِفَتْح [ ياء ]{[11412]} " نَفْسِي " ، و " أخِي " .
وقرأ يوسُف بن دَاوُد وعُبَيْد بن عُمَيْر{[11413]} " فَافْرِق " بِكَسْرِ الرَّاء ، وهي لُغَةٌ : فَرَقَ يَفْرِق ك " يضرب " قال الراجز : [ الرجز ]
يا رَب فَافْرِقْ بَيْنَهُ وبَيْنِي{[11414]} *** أشَدَّ ما فَرَّقْت بَيْنَ اثْنَيْنِ{[11415]}
وقرأ ابن السَّمَيْفَع{[11416]} " فَفَرِّقْ " مُضَعَّفاً ، وهي مُخَالِفَةٌ للرَّسْم و " بَيْنَ " معمولة ل " افْرُق " ، وكان من حَقِّها ألا تكرَّرَ في العَطْفِ ، تقُولَ : المَالُ بَيْن زَيْدٍ وعَمْرو ، وإنَّما كرِّرَت للاحْتِيَاج إلى تكررِ الجارِّ في العَطْفِ على الضِّمِير المَجْرُور ، وهو يُؤيِّد مَذْهَب البَصْريِّين .
فإن قيل : لم قال : { لا أمْلِكُ إلاَّ نَفْسِي وَأخِي } وكان مَعَهُ الرَّجُلان المَذْكُورَان ؟ .
فالجواب : كأنَّه لم يَثِقْ بِهِمَا كُلَّ الوُثُوق لِمَا رَأى [ من ]{[11417]} إطباقِ الأكْثَرِين على التَّمَرُّد{[11418]} ، ولَعَلَّهُ إنَّما قَالَ ذَلِكَ تَقْلِيلاً لمن وَافَقَهُ ، أو يكُون المُرَادُ بالأخِ مَنْ يُؤاخِيهِ في الدِّين ، وعلى هذا يَدْخل الرَّجُلان .
والمُرادُ بقوله : { فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } أي : افْصِلْ بَيْنَنَا وبَيْنَهُم ، بأنْ تَحْكُم لَنَا بما تَسْتَحِقُّ وتحْكُم عَلَيْهِم بما يَسْتَحِقُّون ، وهُوَ في مَعْنَى الدُّعَاء عَلَيْهِم ، أو يكون المَعْنَى : خَلِّصْنَا من صُحْبَتِهِم ، وهو كقوله : { نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } [ القصص : 21 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.