معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولٗا مِّنكُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ} (151)

قوله تعالى : { كما أرسلنا فيكم } . هذه الكاف للتشبيه ، ويحتاج إلى شيء يرجع إليه فقال بعضهم : يرجع إلى ما قبلها معناه ولأتم نعمتي عليكم كما أرسلنا رسولاً منكم ، قال محمد بن جرير : دعا إبراهيم عليه السلام بدعوتين إحداهما قال : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) ، والثانية قوله : ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم ) فبعث الله الرسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، ووعد إجابة الدعوة الثانية بأن يجعل من ذريته أمة مسلمة ، كما أجبت دعوته بأن أهديكم لدينه وأجعلكم مسلمين وأتم نعمتي عليكم ببيان شرائع الملة الحنيفية وقال مجاهد وعطاء والكلبي : هي متعلقة بما بعدها وهو قوله : ( فاذكروني أذكركم ) معناه كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم فاذكروني . وهذه الآية خطاب لأهل مكة والعرب يعني كما أرسلنا فيكم يا معشر العرب .

قوله تعالى : { رسولاً منكم } . يعني محمداً صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : { يتلو عليكم آياتنا } . يعني القرآن .

قوله تعالى : { ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة } . قيل : الحكمة السنة ، وقيل : مواعظ القرآن .

قوله تعالى : { ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } . من الأحكام وشرائع الإسلام .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولٗا مِّنكُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ} (151)

{ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ }

يقول تعالى : إن إنعامنا عليكم باستقبال الكعبة وإتمامها بالشرائع والنعم المتممة ، ليس ذلك ببدع من إحساننا ، ولا بأوله ، بل أنعمنا عليكم بأصول النعم ومتمماتها ، فأبلغها إرسالنا إليكم هذا الرسول الكريم منكم ، تعرفون نسبه وصدقه ، وأمانته وكماله ونصحه .

{ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا } وهذا يعم الآيات القرآنية وغيرها ، فهو يتلو عليكم الآيات المبينة للحق من الباطل ، والهدى من الضلال ، التي دلتكم أولا ، على توحيد الله وكماله ، ثم على صدق رسوله ، ووجوب الإيمان به ، ثم على جميع ما أخبر به من المعاد والغيوب ، حتى حصل لكم الهداية التامة ، والعلم اليقيني .

{ وَيُزَكِّيكُمْ } أي : يطهر أخلاقكم ونفوسكم ، بتربيتها على الأخلاق الجميلة ، وتنزيهها عن الأخلاق الرذيلة ، وذلك كتزكيتكم من الشرك ، إلى التوحيد ومن الرياء إلى الإخلاص ، ومن الكذب إلى الصدق ، ومن الخيانة إلى الأمانة ، ومن الكبر إلى التواضع ، ومن سوء الخلق إلى حسن الخلق ، ومن التباغض والتهاجر والتقاطع ، إلى التحاب والتواصل والتوادد ، وغير ذلك من أنواع التزكية .

{ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ } أي : القرآن ، ألفاظه ومعانيه ، { وَالْحِكْمَةَ } قيل : هي السنة ، وقيل : الحكمة ، معرفة أسرار الشريعة والفقه فيها ، وتنزيل الأمور منازلها .

فيكون - على هذا - تعليم السنة داخلا في تعليم الكتاب ، لأن السنة ، تبين القرآن وتفسره ، وتعبر عنه ، { وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ } لأنهم كانوا قبل بعثته ، في ضلال مبين ، لا علم ولا عمل ، فكل علم أو عمل ، نالته هذه الأمة فعلى يده صلى الله عليه وسلم ، وبسببه كان ، فهذه النعم هي أصول النعم على الإطلاق ، ولهي أكبر نعم ينعم بها على عباده ، فوظيفتهم شكر الله عليها والقيام بها ، فلهذا قال تعالى : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولٗا مِّنكُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ} (151)

يُذكر تعالى عباده المؤمنين ما أنعم به عليهم من بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إليهم ، يتلو عليهم آيات الله مبينات وَيُزَكِّيهم ، أي : يطهرهم من رذائل الأخلاق ودَنَس النفوس وأفعال الجاهلية ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ، ويعلمهم الكتاب - وهو القرآن - والحكمة - وهي السنة - ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون . فكانوا في الجاهلية الجَهْلاء يُسفَهُون بالقول الفرَى ، فانتقلوا ببركة رسالته ، ويُمن سفارته ، إلى حال الأولياء ، وسجايا العلماء فصاروا أعمق الناس علمًا ، وأبرهم قلوبًا ، وأقلهم تكلفًا ، وأصدقهم لهجة . وقال تعالى : { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ } الآية [ آل عمران : 164 ] . وذم من لم يعرف قدر هذه النعمة ، فقال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ } [ إبراهيم : 28 ] .

قال ابن عباس : يعني بنعمة الله محمدًا صلى الله عليه وسلم ؛

151

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولٗا مِّنكُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ} (151)

{ كما أرسلنا فيكم رسولا منكم } متصل بما قبله ، أي ولأتم نعمتي عليكم في أمر القبلة ، أو في الآخرة كما أتممتها بإرسال رسول منكم ، أو بما بعده كما ذكرتكم بالإرسال فاذكروني . { يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم } يحملكم على ما تصيرون به أزكياء ، قدمه باعتبار القصد وأخره في دعوة إبراهيم عليه السلام باعتبار الفعل { ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } بالفكر والنظر ، إذ لا طريق إلى معرفته سوى الوحي ، وكرر الفعل ليدل على أنه جنس آخر .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولٗا مِّنكُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ} (151)

كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ( 151 )

والكاف في قوله { كما } رد على قوله { لأتم }( {[1416]} ) أي إتماماً كما ، وهذا أحسن الأقوال ، أي لأتم نعمتي عليكم في بيان سنة إبراهيم عليه السلام { كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم } إجابة لدعوته في قوله { ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم }( {[1417]} ) الآية ، وقيل : الكاف من { كما } رد على { تهتدون } ، أي اهتداء كما ، وقيل ، هو في موضع نصب على الحال ، وقيل : هو في معنى التأخير متعلق بقوله { فاذكروني }( {[1418]} ) ، وهذه الآية خطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وهو المعنيّ بقوله { رسولاً منكم } ، و { يتلو } في موضع نصب على الصفة ، والآيات : القرآن ، و { يزكيكم } يطهركم من الكفر وينميكم بالطاعة ، و { الكتاب } القرآن ، و { الحكمة } ما يتلقى عنه عليه السلام من سنة وفقه في دين ، و { ما لم تكونوا تعلمون } قصص من سلف وقصص ما يأتي من الغيوب .


[1416]:- أي راجع إليه ومتعلق به، والتعلق به هو الظاهر.
[1417]:- من الآية (129) من سورة (البقرة).
[1418]:- يخدش هذا وجود الفاء فإن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها، ولولا ذلك لكان الكلام حسنا.