الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولٗا مِّنكُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ} (151)

ثم قال تعالى : ( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنْكُمْ ) [ 150 ] .

تقديره : ولعلكم تهتدون اهتداء مثل إرسالنا إليكم رسولاً منكم تالياً عليكم الكتاب ومطهراً لكم من الذنوب ومعلماً لكم ما لم تكونوا تعلمون( {[4807]} ) .

فكل ما بعد " رسول " نعوت( {[4808]} ) له مكررة .

وقال الزجاج : " الكاف متعلقة بما بعدها ، أي : فاذكروني كما أرسلت فيكم رسولاً منكم( {[4809]} ) " ( {[4810]} ) .

وهذا قول مردود لأن الأمر إذا كان له جواب لم يتعلق به ما قبله لاشتغاله بجوابه ؛ تقول : " كما أحسنتُ إليك فأكرمني " . فتكون الكاف من " كما " متعلقة ب " أكرمني " إذ لا جواب له . فإن قلت( {[4811]} ) : " كما أحسنت إليك فأكرمني أكرمك " ، لم تتعلق الكاف من " كما " ب " أكرمني " بأن( {[4812]} ) له جواباً ، ولكن تتعلق بشيء آخر أو( {[4813]} ) بمضمر . فكذلك قوله : ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ )/ هو أمر له جواب ، فلا [ تتعلق " كما " به ولا ]( {[4814]} ) يجوز ذلك إلا على( {[4815]} ) التشبيه بالشرط الذي يجاوب بجوابين ، نحو قولك : " إذا أتاك فلان فأته( {[4816]} ) ترضه " ، فتكون " كما " و " أذكركم " جوابين [ للأمر . والأول أفصح( {[4817]} ) ] وأشهر( {[4818]} ) .

وقيل : هي متعلقة بقوله : ( وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ) أي : " ولأتم( {[4819]} ) نعمتي عليكم إتماماً كما أرسلنا " ( {[4820]} ) .

وقيل : الكاف في موضع/ نصب على الحال ، أي : ولأتم نعمتي عليكم في هذه الحال( {[4821]} ) .

وقيل : المعنى : ولأتم نعمتي عليكم بإتمام شرائع دين الحنيفية ملة إبراهيم كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم تالياً عليكم آياتي ، ومطهراً لكم ومعلماً لكم الكتاب والحكمة وما لم تكونوا تعلمون . وكل ذلك بدعاء إبراهيم صلى الله عليه وسلم [ في قوله ]( {[4822]} ) : ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً( {[4823]} ) لَّكَ ) وقوله : ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ( {[4824]} ) يَتْلُو عَلَيْهِمُ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ/وَيُزَكِّيهِمُ إِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ ) [ 127-128 ] .

فدل هذا المعنى على أن الكاف متعلقة بقوله : ( وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ) فتلخيص( {[4825]} ) المعنى : ولأتم نعمتي عليكم ببيان ملة أبيكم إبراهيم كما أجبنا دعوته فيكم ، فأرسلنا إليكم رسولاً منكم( {[4826]} ) .

ومعنى( {[4827]} ) " يزكيكم " / يطهركم من دنس الذنوب( {[4828]} ) .

( وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ ) أي : القرآن ، والحكمة والسنن والفقه في الدين . ( وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ) [ 150 ] .

أي أخبار الأنبياء والأمم قبلكم ، وما هو كائن من الأمور .


[4807]:- انظر: هذا التقدير في إعراب القرآن 1/222-223.
[4808]:- في ق: تفوت. وهو تحريف.
[4809]:- سقط من ق.
[4810]:- أورده القرطبي في تفسيره 2/170-171، وهو أيضاً قول الفراء والأخفش وابن الأنباري. انظر: معاني الفراء 1/92، ومعاني الأخفش 1/153، والبيان 1/129.
[4811]:- سقط قوله: "كما أحسنت..فإن قلت" من ع2.
[4812]:- في ع2، ع3: لأن.
[4813]:- في ق: و
[4814]:- في ع2: يتعلق "كما" به فلا.
[4815]:- سقط من ق.
[4816]:- في ع1، ق: فأت. وفي ع2: باب. وفي ع3: بانت.
[4817]:- في ق: الأمر، والأول أفصح.
[4818]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 3/209-210.
[4819]:- في ع2، ق،ع3: فلأتم.
[4820]:- انظر: إعراب القرآن 1/223، والبيان 1/129.
[4821]:- المصدر السابق.
[4822]:- في ع1، ح، ق: وقوله.
[4823]:- سقط من ق.
[4824]:- سقط من ع3.
[4825]:- في ق: لتخصيص. وهو تحريف. وفي نسخة (فتخليص). المدقق.
[4826]:- انظر: هذا التوجيه في جامع البيان 3/208-209.
[4827]:- سقط من ع3.
[4828]:- انظر: جامع البيان 3/210.