{ 1 - 16 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ }
يذكر تعالى أحوال يوم القيامة وما فيها من الأهوال الطامة ، وأنها تغشى الخلائق بشدائدها ، فيجازون بأعمالهم ، ويتميزون [ إلى ] فريقين : فريقًا في الجنة ، وفريقًا في السعير .
قد تقدم عن النعمان بن بَشير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ب " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى " والغاشية في صلاة العيد ويوم الجمعة .
وقال الإمام مالك ، عن ضَمْرَة بن سعيد ، عن عُبَيد الله بن عبد الله : أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير : بم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الجمعة مع سورة الجمعة ؟ قال : " هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ " .
رواه أبو داود عن القَعْنَبي ، والنسائي عن قتيبة ، كلاهما عن مالك ، به{[1]} ورواه مسلم وابن ماجة ، من حديث سفيان بن عيينة ، عن ضمرة بن سعيد ، به{[2]} .
الغاشية : من أسماء يوم القيامة . قاله ابن عباس ، وقتادة ، وابن زيد ؛ لأنها تغشى الناس وتَعُمّهم . وقد قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطَّنَافِسِيّ ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة تقرأ : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } فقام يستمع ويقول : " نعم ، قد جاءني " {[29992]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نّاصِبَةٌ * تَصْلَىَ نَاراً حَامِيَةً * تُسْقَىَ مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاّ مِن ضَرِيعٍ * لاّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : هَلْ أتاكَ يا محمد حَدِيثُ الْغاشِيَةُ يعني : قصتها وخبرها . واختلف أهل التأويل في معنى الغاشية ، فقال بعضهم : هي القيامة تغشى الناس بالأهوال . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس الْغاشِيَةُ من أسماء يوم القيامة ، عظّمه الله ، وحذّره عباده .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : هَلْ أتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ قال : الغاشية : الساعة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : هَلْ أتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ قال : الساعة .
وقال آخرون : بل الغاشية : النار تغشَى وجوه الكَفَرة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن سعيد ، في قوله : هَلْ أتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ قال : غاشية النار .
. . . والصواب من القول في ذلك : أن يقال : إن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : هَلْ أتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ ولم يخبرنا أنه عنى غاشية القيامة ، ولاأنه عنى غاشية النار ، وكلتاهما غاشية ، هذه تغشى الناس بالبلاء والأهوال والكروب ، وهذه تغشى الكفار باللفْح في الوجوه ، والشّواظ والنّحاس ، فلا قول في ذلك أصحّ من أن يقال كما قال جلّ ثناؤه ، ويعمّ الخبر بذلك كما عمه .
سميت في المصاحف والتفاسير { سورة الغاشية } . وكذلك عنونها الترمذي في كتاب التفسير من جامعه ، لوقوع لفظ { الغاشية } في أولها .
وثبت في السنة تسميتها { هل أتاك حديث الغاشية } ، ففي الموطأ أن الضحاك بن قيس سأل النعمان بن بشير بم كان رسول الله يقرأ في الجمعة مع سورة الجمعة? قال : هل أتاك حديث الغاشية . وهذا ظاهر في التسمية لأن السائل سأل عما يقرأ مع سورة الجمعة فالمسؤول عنه السورة الثانية ، وبذلك عنونها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه .
وربما سميت { سورة هل أتاك } بدون كلمة { حديث الغاشية } . وبذلك عنونها ابن عطية في تفسيره وهو اختصار .
وهي معدودة السابعة والستين في عداد نزول السور نزلت بعد سورة الذاريات وقبل سورة الكهف .
اشتملت هذه السورة على تهويل يوم القيامة وما فيه من العقاب قوم مشوهة حالتهم ، ومن ثواب قوم ناعمة حالتهم وعلى وجه الإجمال المرهب أو المرغب .
والإيماء إلى ما يبين ذلك الإجمال كله بالإنكار على قوم لم يهتدوا بدلالة مخلوقات من خلق الله وهي نصب أعينهم ، على تفرده بالإلهية فيعلم السامعون أن الفريق المهدد هم المشركون .
وعلى إمكان إعادته بعض مخلوقاته خلقا جديدا بعد الموت يوم البعث .
وتثبيت النبي صلى الله عليه وسلم على الدعوة إلى الإسلام وأن لا يعبأ بإعراضهم .
وأن وراءهم البعث فهم راجعون إلى الله فهو مجازيهم على كفرهم وإعراضهم .
الافتتاح بالاستفهام عن بلوغ خبر الغاشية مستعمل في التشويق إلى معرفة هذا الخبر لما يترتب عليه من الموعظة .
وكونُ الاستفهام ب { هل } المفيدة معنى ( قد ) ، فيه مزيد تشويق فهو استفهام صوري يكنى به عن أهمية الخبر بحيث شأنه أن يكون بلَغ السامع ، وقد تقدم نظيره في قوله تعالى : { وهل أتاك نبؤا الخصم } في سورة ص ( 21 ) . وقوله : { هل أتاك حديث موسى } في سورة النازعات ( 15 ) .
وتقدم هنالك إطلاق فعل الإِتيان على فشو الحديث .
وتعريف ما أضيف إليه { حديث } بوصفه { الغاشية } الذي يقتضي موصوفاً لم يذكر هو إبهام لزيادة التشويق إلى بيانه الآتي ليتمكن الخبر في الذهن كمال تمكُّن .
والحديث : الخبر المتحدَّث به وهو فعيل بمعنى مفعول ، أو الخبر الحاصل بحدثان أي ما حدث من أحوال . وتقدم في سورة النازعات .
و { الغاشية } : مشتقة من الغشيان وهو تغطية متمكنة وهي صفة أريد بها حادثة القيامة سميت غاشية على وجه الاستعارة لأنها إذا حصلت لم يجد الناس مَفراً من أهوالها فكأنها غاششٍ يغشى على عقولهم . ويطلق الغشيان على غيبوبة العقل فيجوز أن يَكون وصف الغاشية مشتقاً منه . ففهم من هذا أن الغاشية صفة لمحذوف يدل عليه السياق وتأنيث الغاشية لتأويلها بالحادثة ولم يستعملوها إلا مؤنثة اللفظ والتأنيث كثير في نقل الأوصاف إلى الإسمية مثل الداهية والطامة والصاخة والقارعة والآزفة .
و { الغاشية } هنا : علم بالغلبة على ساعة القيامة كما يؤذن بذلك قوله عقبه { وجوه يومئذ } [ الغاشية : 2 ] أي يوم الغاشية .