نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡغَٰشِيَةِ} (1)

لما ختمت " سبح " بالحث على تطهير النفوس عن وضر الدنيا ، ورغب في ذلك بخيرية الآخرة تارة والاقتداء بأولي العزم من الأنبياء أخرى ، رهب أول هذه من الإعراض عن ذلك مرة ، ومن التزكي بغير منهاج الرسل أخرى ، فقال تعالى مذكراً بالآخرة التي حث عليها آخر تلك مقرراً لأشرف خلقه صلى الله عليه وسلم لأن ذلك أعظم في تقدير اتباعه وأقعد في تحريك النفوس إلى تلقي الخبر بالقبول : { هل أتاك } أي جاءك وكان لك وواجهك على وجه الوضوح يا أعظم خلقنا { حديث الغاشية * } أي القيامة التي تغشي الناس بدواهيها وشدائدها العظمى وزواجرها ونواهيها ، فإن الغشي لا يكون إلا فيما يكره .

وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما تقدم تنزيهه سبحانه عما توهم الظالمون ، واستمرت آي السورة على ما يوضح تقدس الخالق جل جلاله عن عظيم مقالهم ، أتبع ذلك بذكر الغاشية بعد افتتاح السورة بصورة الاستفهام تعظيماً لأمرها ، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم : " هل أتاك " يا محمد " حديث الغاشية " وهي القيامة ، فكأنه سبحانه وتعالى يقول : في ذلك اليوم يشاهدون جزاءهم ويشتد تحسرهم حين لا يغني عنهم ، ثم عرف بعظيم امتحانهم في قوله : { ليس لهم طعام إلا من ضريع } مع ما بعد ذلك وما قبله ، ثم عرف بذكر حال من كان في نقيض حالهم إذ ذلك أزيد في الفرح وأدهى ، ثم أردف بذكر ما نصب من الدلائل وكيف لم يغن فقال : { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } - الآيات ، أي أفلا يعتبرون بكل ذلك ويستدلون بالصنعة على الصانع ثم أمره بالتذكار - انتهى .