معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِكُمۡۖ إِن يَشَأۡ يَرۡحَمۡكُمۡ أَوۡ إِن يَشَأۡ يُعَذِّبۡكُمۡۚ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (54)

قوله تعالى : { ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم } ، يوفقكم فتؤمنوا ، { أو إن يشأ يعذبكم } ، يميتكم على الشرك فتعذبوا ، قاله ابن جريج . وقال الكلبي : إن يشأ يرحمكم فينجيكم من أهل مكة ، وإن يشأ يعذبكم فيسلطهم عليكم . { وما أرسلناك عليهم وكيلاً } حفيظاً وكفيلاً . قيل : نسختها آية القتال .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِكُمۡۖ إِن يَشَأۡ يَرۡحَمۡكُمۡ أَوۡ إِن يَشَأۡ يُعَذِّبۡكُمۡۚ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (54)

وأما إخوانهم فإنهم وإن نزغ الشيطان فيما بينهم وسعى في العداوة فإن الحزم كل الحزم السعي في ضد عدوهم وأن يقمعوا أنفسهم الأمارة بالسوء التي يدخل الشيطان من قبلها فبذلك يطيعون ربهم ويستقيم أمرهم ويهدون لرشدهم .

{ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ } من أنفسكم فلذلك لا يريد لكم إلا ما هو الخير ولا يأمركم إلا بما فيه مصلحة لكم وقد تريدون شيئا والخير في عكسه .

{ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ } فيوفق من شاء لأسباب الرحمة ويخذل من شاء فيضل عنها فيستحق العذاب .

{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا } تدبر أمرهم وتقوم بمجازاتهم وإنما الله هو الوكيل وأنت مبلغ هاد إلى صراط مستقيم .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِكُمۡۖ إِن يَشَأۡ يَرۡحَمۡكُمۡ أَوۡ إِن يَشَأۡ يُعَذِّبۡكُمۡۚ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (54)

يقول الله تعالى : { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ } أيها الناس ، من يستحق منكم الهداية ومن لا يستحق { إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ } بأن يوفقكم لطاعته والإنابة إليه { أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ } [ يا محمد ]{[5]} { عَلَيْهِمْ وَكِيلا } أي : إنما أرسلناك نذيرًا ، فمن أطاعك دخل الجنة ، ومن عصاك دخل النار .


[5]:في د: "تكفروهما".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِكُمۡۖ إِن يَشَأۡ يَرۡحَمۡكُمۡ أَوۡ إِن يَشَأۡ يُعَذِّبۡكُمۡۚ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (54)

القول في تأويل قوله تعالى : { رّبّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } .

يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين من قريش الذين قالوا أئِذَا كُنّا عِظاما وَرُفاتا أئِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقا جَدِيدا : رَبّكُمْ أيها القوم أعْلَمُ بِكُمْ إنْ يَشأْ يَرْحَمُكُمْ فيتوب عليكم برحمته ، حتى تنيبوا عما أنتم عليه من الكفر به وباليوم الاَخر وَإنْ يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ بأن يخذلكم عن الإيمان ، فتموتوا على شرككم ، فيعذّبكم يوم القيامة بكفركم به . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عبد الملك بن جريج قوله : رَبّكُمْ أعْلَمُ بِكُمْ إنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ قال : فتؤمنوا أوْ إنْ يَشأْ يُعَذّبْكُمْ فتموتوا على الشرك كما أنتم .

وقوله : وَما أرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وما أرسلناك يا محمد على من أرسلناك إليه لتدعوه إلى طاعتنا ربا ولا رقيبا ، إنما أرسلناك إليهم لتبلغهم رسالاتنا ، وبأيدينا صرفهم وتدبيرهم ، فإن شئنا رحمناهم ، وإن شئنا عذّبناهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِكُمۡۖ إِن يَشَأۡ يَرۡحَمۡكُمۡ أَوۡ إِن يَشَأۡ يُعَذِّبۡكُمۡۚ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (54)

{ ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذّبكم } تفسير ل { التي هي أحسن } وما بينهما اعتراض أي قولوا لهم هذه الكلمة ونحوها ولا تصرحا بأنهم من أهل النار ، فإنه يهيجهم على الشر مع أن ختام أمرهم غيب لا يعلمه إلا الله . { وما أرسلناك عليهم وكيلا } موكولا إليك أمرهم تقسرهم على الإيمان وإنما أرسلناك مبشرا ونذيرا فدارهم ومر أصحابك بالاحتمال منهم . وروي أن المشركين أفرطوا في إيذائهم فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت . وقيل شتم عمر رضي الله تعالى عنه رجل منهم فهم به فأمره الله بالعفو .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِكُمۡۖ إِن يَشَأۡ يَرۡحَمۡكُمۡ أَوۡ إِن يَشَأۡ يُعَذِّبۡكُمۡۚ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (54)

وقوله تعالى : { ربكم أعلم بكم } الآية ، هذه الآية تقوي أن التي قبلها هي ما بين العباد المؤمنين وكفار مكة ؛ وذلك أن هذه المخاطبة في قوله { ربكم أعلم بكم } هي لكفار مكة بدليل قوله { وما أرسلناك عليهم وكيلاً } فكأن الله عز وجل أمر المؤمنين أن لا يخاشنوا الكفار في الدين ثم قال للكفار إنه أعلم بهم ، ورجاهم وخوفهم ، ومعنى { يرحمكم } بالتوبة عليكم من الكفر ، قاله ابن جريج وغيره ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : فإنما عليك البلاغ ، ولست بوكيل على إيمانهم ولا بد ، فتتناسب الآيات بهذا التأويل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِكُمۡۖ إِن يَشَأۡ يَرۡحَمۡكُمۡ أَوۡ إِن يَشَأۡ يُعَذِّبۡكُمۡۚ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (54)

هذا الكلام متصل بقوله : { نحن أعلم بما يستمعون به } إلى قوله : { فلا يستطيعون سبيلا } [ الإسراء : 47 ، 48 ] . فإن ذلك ينطوي على ما هو شأن نجواهم من التصميم على العناد والإصرار على الكفر . وذلك يسوء النبي ويحزنه أن لا يهتدوا ، فوُجه هذا الكلام إليه تسلية له . ويدل لذلك تعقيبه بقوله : { وما أرسلناك عليهم وكيلا } .

ومعنى { إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم } على هذا الكنايةُ عن مشيئة هديْه إياهم الذي هو سبب الرحمة ، أو مشيئة تركهم وشأنَهم . وهذا أحسن ما تفسر به هذه الآية ويبين موقعها ، وما قيل غيره أراه لا يلتئم .

وأوتي بالمسند إليه بلفظ الرب مضافاً إلى ضمير المؤمنين الشامل للرسول تذكيراً بأن الاصطفاء للخير شأن من معنى الربوبية التي هي تدبير شؤون المربوبين بما يليق بحالهم ، ليكون لإيقاع المسند على المسند إليه بعد ذلك بقوله : { أعلم بكم } وقعٌ بديع ، لأن الذي هو الرب هو الذي يكون أعلم بدخائل النفوس وقابليتها للاصطفاء .

وهذه الجملة بمنزلة المقدمة لما بعدها وهي جملة { إن يشأ يرحمكم } الآية ، أي هو أعلم بما يناسب حال كل أحد من استحقاق الرحمة واستحقاق العذاب .

ومعنى { أعلم بكم } أعلم بحالكم ، لأن الحالة هي المناسبة لتعلق العلم .

فجملة { إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم } مبينة للمقصود من جملة { ربكم أعلم بكم } .

والرحمة والتعذيب مكنًى بهما عن الاهتداء والضلال ، بقرينة مقارنته لقوله : { ربكم أعلم بكم } الذي هو كالمقدمة . وسلك سبيل الكناية بهما لإفادة فائدتين : صريحهما وكنايتهما ، ولإظهار أنه لا يسأل عما يَفعل ، لأنه أعلم بما يليق بأحوال مخلوقاته . فلما ناط الرحمة بأسبابها والعذابَ بأسبابه ، بحكمته وعدله ، عُلم أن معنى مشيئته الرحمة أو التعذيب هو مشيئة إيجاد أسبابهما ، وفعل الشرط محذوف . والتقدير : إن يشأ رحمتَكم يرحمْكم أو إن يشأ تعذيبَكم يعذبْكم ، على حكم حذف مفعول فعل المشيئة في الاستعمال .

وجيء بالعطف بحرف ( أو ) الدالة على أحد الشيئين لأن الرحمة والتعذيب لا يجتمعان ف ( أو ) للتقسيم .

وذكر شرط المشيئة هنا فائدته التعليم بأنه تعالى لا مكره له ، فجمعت الآية الإشارة إلى صفة العلم والحكمة وإلى صفة الإرادة والاختيار .

وإعادةُ شرط المشيئة في الجملة المعطوفة لتأكيد تسلط المشيئة على الحالتين .

وجملة { وما أرسلناك عليهم وكيلاً } زيادة لبيان أن الهداية والضلال من جعل الله تعالى ، وأن النبي غير مسؤول عن استمرار من استمر في الضلالة . إزالة للحرج عنه فيما يجده من عدم اهتداء من يدعوهم ، أي ما أرسلناك لتجبرهم على الإيمان وإنما أرسلناك داعياً .

والوكيل على الشيء : هو المسؤول به . والمعنى : أرسلناك نذيراً وداعياً لهم وما أرسلناك عليهم وكيلاً ، فيفيد معنى القصر لأن كونه داعياً ونذيراً معلوم بالمُشاهدة فإذا نفي عنه أن يكون وكيلاً وملجئاً آل إلى معنى : ما أنت إلا نذير .

وضمير { عليهم } عائد إلى المشركين ، كما عادت إليهم ضمائر { على قلوبهم } [ الإسراء : 46 ] وما بعده من الضمائر اللائقة بهم .

وعليهم } متعلق ب { وكيلا } . وقدم على متعلقه للاهتمام وللرعاية على الفاصلة .