نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِكُمۡۖ إِن يَشَأۡ يَرۡحَمۡكُمۡ أَوۡ إِن يَشَأۡ يُعَذِّبۡكُمۡۚ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (54)

ثم فسر " التي هي أحسن " مما علمهم ربهم من النصفة بقوله تعالى : { ربكم أعلم بكم } ثم استأنف فقال تعالى : { إن يشأ } رحمتكم { يرحمكم } بأن ييسر لكم أفعال الخير { أو إن يشأ } عذابكم { يعذبكم } بأن ييسركم لأفعال الشر ، فإذا قالوا لهم ذلك كانوا جديرين بأن يعرضوا - أو من أراد الله منهم - أفعالهم على ما يعلمونه من الخير والشر فينظروا أيهما أقرب إليها ، وربما ردهم ذلك من أنفسهم عن الفساد ، لحسم مادة العناد ، ويجوز - وهو - عندي أحسن - أن تكون الآية استئنافاً واقعاً موقع التعليل للأمر بقول الأحسن ، أي { ربكم } أيها العباد { أعلم بكم } وبما يؤول أمركم إليه من سعادة وشقاوة { إن يشأ يرحمكم } بهدايتكم { أو إن يشأ يعذبكم } بإضلالكم ، فلا تحتقروا أيها المؤمنون المشركين فتقطعوا بأنهم من أهل النار فتعيروهم بذلك ، فإنه يجر إلى الإحن وحر الصدور وغيظ القلوب بلا فائدة ، لأن الخاتمة مجهولة ، ولا تتجاوزوا فيهم ما آمركم به من قول وفعل فإنه الأحسن ؛ ثم رقى الخطاب إلى أعلى الخلق ورأس أهل الشرع ليكون من دونه أولى بالمعنيّ منه فقال تعالى : { وما } أي فما أرسلناك إلا للدعاء بمثل ذلك على حسب ما نأمرك به ، وما { أرسلناك } أي مع ما لنا من العظمة الغنية عن كل شيء { عليهم وكيلاً * } أي حفيظاً وكفيلاً لغيرهم على ما يرضي الله ، وإنما أرسلناك بشيراً ونذيراً فدارهم وأمر أصحابك بمداراتهم .