البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِكُمۡۖ إِن يَشَأۡ يَرۡحَمۡكُمۡ أَوۡ إِن يَشَأۡ يُعَذِّبۡكُمۡۚ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (54)

والخطاب بقوله { ربكم } إن كان للمؤمنين فالرحمة الإنجاء من كفار مكة وأذاهم والتعذيب تسليطهم عليهم .

{ وما أرسلناك عليهم } أي على الكفار حافظاً وكفيلاً فاشتغل أنت بالدعوة وإنما هدايتهم إلى الله .

وقيل : { يرحمكم } بالهداية إلى التوفيق والأعمال الصالحة ، وإن شاء عذبكم بالخذلان وإن كان الخطاب للكفار فقال يقابل يرحمكم الله بالهداية إلى الإيمان ويعذبكم يميتكم على الكفر .

وذكر أبو سليمان الدمشقي لما نزل القحط بالمشركين قالوا { ربنا اكشف عنا العذاب إنّا مؤمنون } فقال الله { ربكم أعلم بكم } بالذي يؤمن من الذي لا يؤمن { إن يشأ يرحمكم } فيكشف القحط عنكم { أو إن يشأ يعذبكم } فيتركه عليكم .

وقال ابن عطية : هذه الآية تقوي أن الآية التي قبلها هي ما بين العباد المؤمنين وكفار مكة ، وذلك أن قوله { ربكم أعلم بكم } مخاطبة لكفار مكة بدليل قوله { وما أرسلناك عليهم وكيلاً } فكأنه أمر المؤمنين أن لا يخاشنوا الكفار في الدين ثم قال إنه أعلم بهم ورجاهم وخوّفهم ، ومعنى { يرحمكم } بالتوبة عليكم قاله ابن جريج وغيره انتهى .

وتقدم من قول الزمخشري أن قوله { ربكم أعلم بكم } هي من قول المؤمنين للكفار وأنه تفسير لقوله { التي هي أحسن } .

وقال ابن الأنباري : { أو } دخلت هنا لسعة الأمرين عند الله ولا يرد عنهما ، فكانت ملحقة بأو المبيحة في قولهم جالس الحسن أو ابن سيرين يعنون قد وسعنا لك الأمر .

وقال الكرماني : { أو } للإضراب ولهذا كرر { إن }