التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِكُمۡۖ إِن يَشَأۡ يَرۡحَمۡكُمۡ أَوۡ إِن يَشَأۡ يُعَذِّبۡكُمۡۚ وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ وَكِيلٗا} (54)

{ رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ومَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وكِيلاً54 } [ 54 ] .

قال غير واحد من المفسرين{[1311]} : إن ضمائر الجمع المخاطب في الآية عائدة إلى الكفار الذين هم موضوع الكلام في السياق السابق ، وقال بعضهم : إنها عائدة إلى المسلمين أو سامعي القرآن إطلاقا{[1312]} والقول الأول هو الأوجه المستلهم من روح الآيات والسياق أيضا . وقد أوّلها أصحاب هذا القول بأنها تتضمن أمرا للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول الكفار إن أمركم بيد الله وهو أعلم بكم إن شاء رحمكم فتاب عليكم وهداكم ، وإن شاء خذلكم فبقيتم على كفركم .

أما خاتمة الآية ففيها التفات إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله لم يجعله وكيلا عنهم ولا مسؤولا عن هدايتهم وكفرهم ، وكل ما عليه أن ينذرهم ويبشرهم ، مما ينطوي فيه تسلية له إزاء مواقف الحجاج والعناد التي يقفها الكفار من دعوته .

وواضح من هذا أن الآية غير منقطعة عن السياق السابق . ولقد انطوى فيها تعليل لمشيئة الله تعالى فيهم على ما هو المتبادر . فهو تعالى أعلم بما في ضمائرهم وقلوبهم فيهدي من فيه الخير والرغبة في الهدى في نطاق رحمته ، ويخذل من لم يتوفر فيه ذلك فيكون مصيره إلى العذاب على حد ما جاء في آية سورة الرعد هذه { ويَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء ويَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ 27 } وآية سورة إبراهيم هذه { يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وفِي الآخِرَةِ ويُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ ويَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء 27 } وبهذا يزول ما يمكن أن يحيك في صدر القارئ من وهم من ظاهر عبارة الآية .


[1311]:انظر تفسير الآية في القاسمي والكشاف والطبري والخازن.
[1312]:انظر تفسيرها في ابن كثير.