قوله تعالى :{ ولقد خلقنا الإنسان } يعني : ولد آدم ، والإنسان اسم الجنس ، يقع على الواحد والجمع { من سلالة } روي عن ابن عباس أنه قال : السلالة صفوة الماء . وقال مجاهد : من بني آدم . وقال عكرمة : هو يسيل من الظهر ، والعرب تسمي النطفة سلالة ، والولد سليلاً وسلالة ، لأنهما مسلولان منه . قوله : { من طين } يعني : طين آدم . والسلالة تولدت من طين خلق آدم منه . قال الكلبي : من نطفة سلت من طين ، والطين آدم عليه السلام ، وقيل المراد من الإنسان هو آدم . وقوله : من سلالة أي : سل من كل تربة .
يقول تعالى مخبرًا عن ابتداء خلق الإنسان من سلالة من طين ، وهو آدم ، عليه السلام ، خلقه الله من صلصال من حمأ مسنون .
وقال الأعمش ، عن المِنْهال بن عمرو ، عن أبي يحيى ، عن ابن عباس : { مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ } قال : صَفوةُ الماء .
وقال مجاهد : { مِنْ سُلالَةٍ } أي : من منيّ آدم .
قال ابن جرير : وإنما سمي آدم طينًا لأنه مخلوق منه .
وقال قتادة : استُلّ آدمُ من الطين . وهذا أظهر في المعنى ، وأقرب إلى السياق ، فإن آدم ، عليه السلام ، خلق من طين لازب ، وهو الصلصال من الحمأ المسنون ، وذلك مخلوق من التراب ، كما قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ } [ الروم : 20 ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا عَوْف ، حدثنا قَسَامة بن زُهَيْر ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض ، فجاء بنو آدم على قَدْر الأرض ، جاء منهم الأحمر والأسود والأبيض ، وبين ذلك ، والخبيث والطيب ، وبين ذلك " .
وقد رواه أبو داود والترمذي ، من طرق ، عن عوف الأعرابي ، به نحوه{[20487]} . وقال الترمذي : حسن صحيح .
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مّن طِينٍ } .
يقول تعالى ذكره : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ أسللناه منه ، فالسلالة هي المستلة من كلّ تربة ولذلك كان آدم خلق من تربة أخذت من أديم الأرض .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في المعنيّ بالإنسان في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عني به آدم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قَتادة : مِنْ طِينٍ قال : استلّ آدم من الطين .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرّزاق ، عن معمر ، عن قَتادة ، في قوله : مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ قال : استلّ آدم من طين ، وخُلقت ذرّيته من ماء مهين .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ولقد خلقنا ولد آدم ، وهو الإنسان الذي ذكر في هذا الموضع ، من سلالة ، وهي النطفة التي استُلّت من ظهر الفحل من طين ، وهو آدم الذي خُلق من طين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن أبي يحيى ، عن ابن عباس : مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ قال : صفوة الماء .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : مِنْ سُلالَةٍ من منيّ آدم .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، مثله .
وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معناه : ولقد خلقنا ابن آدم من سُلالة آدم ، وهي صفة مائة وآدم هو الطين ، لأنه خُلق منه .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالاَية ، لدلالة قوله : ثُمّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ على أن ذلك كذلك لأنه معلوم أنه لم يَصِرْ في قرار مكين إلاّ بعد خلقه في صلب الفحل ، ومن بعد تحوّله من صلبه صار في قرار مكين والعرب تسمي ولد الرجل ونطفته : سليله وسلالته ، لأنهما مسلولان منه ومن السّلالة قول بعضهم :
حَمَلَتْ بِهِ عَضْبَ الأدِيمِ غَضَنْفَر *** اسُلالَةَ فَرْجٍ كانَ غيرَ حَصِينِ
وَهَلْ كُنْتُ إلاّ مُهْرَةً عَرَبِيّةً *** سُلالَةَ أفْرَاسٍ تَجَلّلَها بَغْلُ
فمن قال : سلالة جمعها سلالات ، وربما جمعوها سلائل ، وليس بالكثير ، لأن السلائل جمع للسليل ومنه قول بعضهم :
إذا أُنْتِجَتْ مِنْها المَهارَى تَشابَهَ *** تْعَلى القَوْدِ إلاّ بالأُنُوفِ سَلائلُهْ
{ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة } من خلاصة سلت من بين الكدر . { من طين } متعلق بمحذوف لأنه صفة ل{ سلالة } أو من بيانية أو بمعنى { سلالة } لأنها في معنى مسلولة فتكون ابتدائية كالأولى ، والإنسان آدم عليه الصلاة والسلام خلق من صفوة سلت من الطين ، أو الجنس فإنهم خلقوا من سلالات جعلت نطفا بعد أدوار . وقيل المراد بالطين آدم لأنه خلق منه والسلالة نطفته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.