التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن طِينٖ} (12)

{ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ( 12 ) ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ( 13 ) ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا أخر فتبارك الله أحسن الخالقين ( 14 ) ثم إنكم بعد ذلك لميتون ( 15 ) ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ( 16 ) } [ 12-16 ] .

تعليق على آية

{ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين }

والآيات الأربع التالية لها

عبارة الآيات واضحة . وقد جاء مثلها أو شيء منها في سور سابقة مثل سور فاطر والزمر وغافر ، وبعض العبارات الواردة هنا تتحمل بعض التعليقات .

فأولا : إن المفسرين قالوا في صدد تعبير { سلالة من طين } إنه إشارة إلى قطعة الطين التي أمر الله عز وجل الملائكة باستلالها من الأرض وخلق منها آدم وأوردوا بيانات معزوة إلى بعض أصحاب رسول الله وتابعيهم عن كيفية استلال قطعة الطين وإرسال جبريل ثم ميكائيل ثم عزرائيل إلى الأرض لهذه المهمة ، فيها الغريب العجيب ، وليس لما أوردوه سند وثيق . والموضوع من المغيبات التي لا تصح إلا بمثل ذلك .

ولقد قال الذين يميلون إلى استنباط الأسرار والفنون من القرآن والتوفيق بينه وبين النظريات العلمية والفنية : إن في الآيات ما يمكن الاستدلال به على كون الإنسان إنما صار إنسانا بعد سلسلة تحولات طويلة جدا بدأت من نشوء الحياة من الماء والطين ، ونرى في هذا تكلفا وتحميلا للعبارة غير ما تتحمل .

والذي يتبادر أن هذه الآيات وأمثالها العديدة التي وردت في سور عديدة وذكر فيها خلق آدم أو الإنسان من طين ثم جعل نسله بطريق النطفة إنما سيقت في معرض التذكير والعظة والتدليل على قدرة الله بأسلوب يستطيع السامعون على اختلاف طبقاتهم فهمه ولمسه والاعتبار به والاستدلال منه على قدرة الله . وأن الأولى الوقف منها عند ما وقف عنده القرآن مع ملاحظة هذا الهدف البارز فيها .

وأنه لا طائل من وراء التزيد والتخمين وتحميل العبارة غير ما تتحمل ونرى ذلك إخراجا للقرآن من نطاق قدسيته وأهدافه كما هو رأينا في كل الشؤون المماثلة .

وثانيا : لقد تعددت التفسيرات التي يرويها المفسرون عن بعض أصحاب رسول الله وتابعيهم لجملة { ثم أنشأناه خلقا آخر 14 } منها أنها عنت نفخ الروح فيه بعد ما كان جهادا ، ومنها أنها عنت استواء الشباب ونبات الشعر والأظافر والأسنان ، ومنها أنها عنت الذكورة والأنوثة ، ومنها أنها عنت تنقله في أطوار الحياة بعد الولادة . ويلحظ أن هذه التفسيرات تصح أن ترد بالنسبة للإنسان وللحيوان وبخاصة ذوات الثدي منه على السواء كما لا يخفى . والذي يتبادر لنا أن الجملة قد قصدت التنويه بالإنسان الذي شاءت حكمة الله عز وجل أن يميزه عما سواه من الحيوان بتكامل العقل والتكليف وباختصاصه بالبعث بعد الموت لتوفيته بما يكسبه في الدنيا فصار بذلك خلقا آخر . والله أعلم .