البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِن سُلَٰلَةٖ مِّن طِينٖ} (12)

السلالة : فعالة من سللت الشيء من الشيء إذا استخرجته منه وقال أمية خلق البرية من سلالة منتن***

وإلى السلالة كلها ستعود

والولد سلالة أبيه كأنه انسل من ظهر أبيه قال الشاعر

فجاءت به عصب الأديم غضنفرا *** سلالة فرج كان غير حصين

وهو بناء يدل على القلة كالقلامة والنحاتة

{ ولقد خلقنا الإنسان } الآية لما ذكر تعالى أن المتصفين بتلك الأوصاف الجليلة هم يرثون الفردوس فتضمن ذلك المعاد الأخروي ، ذكر النشأة الأولى ليستدل بها على صحة النشأة الآخرة .

وقال ابن عطية : هذا ابتداء كلام والواو في أوله عاطفة جملة كلام على جملة ، وإن تباينت في المعاني انتهى .

وقد بيّنا المناسبة بينهما ولم تتباين في المعاني من جميع الجهات .

و { الإنسان } هنا .

قال قتادة وغيره ورواه عن سلمان وابن عباس آدم لأنه انسل من الطين

وعن ابن عباس أيضاً أن { الإنسان } ابن آدم و { سلالة من طين } صفوة الماء يعني المني وهو اسم جنس ، والطين يراد به آدم إذ كانت نشأة من الطين كما سمى عرق الثرى أو جعل من الطين لكونه سلالة من أبويه وهما متغذيان بما يكون من الطين .

وقال الزمخشري : خلق جوهر الإنسان أولاً طيناً ثم جعل جوهره بعد ذلك نطفة انتهى .

فجعل الإنسان جنساً باعتبار حالتيه لا باعتبار كل مردود منه و { من } الأولى لابتداء الغاية و { من } الثانية قال الزمخشري للبيان كقوله { من الأوثان } انتهى .

ولا تكون للبيان إلاّ على تقدير أن تكون السلالة هي الطين ، أما إذا قلنا أنه ما انسل من الطين فتكون لابتداء الغاية .