قوله تعالى : { ذلك عيسى ابن مريم } ، قال الزجاج : أي ذلك الذي قال إني عبد الله عيسى ابن مريم ، { قول الحق } ، قرأ ابن عامر و عاصم و يعقوب : { قول الحق } بنصب اللام وهو نصب على المصدر ، أي : قال قول الحق ، { الذي فيه يمترون } أي : يختلفون ، فقائل يقول : هو ابن الله ، وقائل يقول : هو الله ، وقائل يقول : هو ساحر كاذب . وقرأ الآخرون برفع اللام ، يعني : هو قول الحق ، أي هذا الكلام هو قول الحق ، أضاف القول إلى الحق ، كما قال : حق اليقين ، ووعد الصدق . وقيل :هو نعت لعيسى ابن مريم ، يعني ذلك عيسى ابن مريم كلمة الله والحق هو الله { الذي فيه يمترون } يشكون ، ويختلفون ، ويقولون غير الحق .
أي : ذلك الموصوف بتلك الصفات ، عيسى بن مريم ، من غير شك ولا مرية ، بل قول الحق ، وكلام الله ، الذي لا أصدق منه قيلا ، ولا أحسن منه حديثا ، فهذا الخبر اليقيني ، عن عيسى عليه السلام ، وما قيل فيه مما يخالف هذا ، فإنه مقطوع ببطلانه ، . وغايته أن يكون شكا من قائله لا علم له به ، ولهذا قال : { الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ْ } أي : يشكون فيمارون بشكهم ، ويجادلون بخرصهم ، فمن قائل عنه : إنه الله ، أو ابن الله ، أو ثالث ثلاثة ، تعالى الله عن إفكهم وتقولهم علوا كبيرا .
ولا يزيد السياق القرآني شيئا على هذا المشهد . لا يقول : كيف استقبل القوم هذه الخارقة . ولا ماذا كان بعدها من أمر مريم وابنها العجيب . ولا متى كانت نبوته التي أشار إليها وهو يقول :
( آتاني الكتاب وجعلني نبيا ) . . ذلك أن حادث ميلاد عيسى هو المقصود في هذا الموضع . فحين يصل به السياق إلى ذلك المشهد الخارق يسدل الستار ليعقب بالغرض المقصود في أنسب موضع من السياق ، بلهجة التقرير ، وإيقاع التقرير :
( ذلك عيسى ابن مريم . قول الحق الذي فيه يمترون . ما كان لله أن يتخذ من ولد . سبحانه . إذا قضى أمرا فإنما يقول له : كن فيكون . وإن الله ربي وربكم فاعبدوه . هذا صراط مستقيم ) . .
ذلك عيسى ابن مريم ، لا ما يقوله المؤلهون له أو المتهمون لأمه في مولده . . ذلك هو في حقيقته وذلك واقع نشأته . ذلك هو يقول الحق الذي فيه يمترون ويشكون .
المعنى قل يا محمد لمعاصريك من اليهود والنصارى { ذلك } الذي منه قصة { عيسى بن مريم } وإنما قدرنا في الكلام قل يا محمد لأنه يجيء في الآية بعد ، «وأن الله ربي وربكم » هذه مقالة بشر وليس يقتضي ظاهر الآية قائلاً من البشر سوى محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد يتحمل أن يكون قوله { ذلك عيسى } الى قوله { فيكون } إخباراً لمحمد إعتراضاً أثناء كلام عيسى ، ويكون قوله «وأن » بفتح الألف عطفاً على قوله { الكتاب } [ مريم : 30 ] . وقد قال وهب بن منبه : عهد عيسى إليهم «أن ربي وربكم » ، ومن كسر الألف عطف على قوله { إني عبد الله } [ مريم : 30 ] وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وحمزة والكسائي وعامة الناس «قولُ الحق »{[7955]} برفع القول على معنى هذا قول الحق . وقرأ عاصم وابن عامر وابن أبي إسحاق «قولَ الحق » بنصب القول على المصدر{[7956]} . قال أبو عبدالرحمن المقري{[7957]} : كان يجالسني ضرير ثقة فقال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم يقرأ «قولَ الحق » نصباً ، قال أبو عبدالرحمن : وكنت أقرأ بالرفع فجنبت فصرت أقرأ بهما جميعاً . وقرأ عبد الله بن مسعود «قال الله »{[7958]} بمعنى كلمة الله ، وقرأ عيسى «قال الحق »{[7959]} وقرأ نافع والجمهور «يمترون » بالياء على الكناية عنهم ، وقرأ نافع أيضاً وأبو عبد الرحمن وداود بن أبي هند «تمترون » بالتاء على الخطاب لهم ، والمعنى تختلفون أيها اليهود والنصارى فيقول بعضهم هو لزنية ونحو هذا وهم اليهود ، ويقول بعضهم هو الله تعالى فهذا هو امتراؤهم ، وسيأتي شرح ذلك من بعد هذا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.