قوله تعالى : { ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ } : يجوز أن يكون " عِيسَى " خبراً ل " ذلك " ويجوز أن يكون بدلاً ، أو عطف بيان ، و " قَوْلُ الحقِّ " خبره ، ويجوز أن يكون " قَوْلُ الحقِّ " خبر مبتدأ مضمرْ ، أي : هو قولُ ، و " ابْنُ مَرْيَم " يجوز أن يكُونَ نعتاً ، أو بدلاً ، أو بياناً ، أو خبراً ثابتاً .
وقرأ{[21603]} عاصمٌ ، وحمزةُ ، وابنُ عامر " قَوْلَ الحقِّ " بالنَّصب ، والباقون بالرفع ، فالرفع على ما تقدَّم ، قال الزمخشري - رحمه الله- : " وارتفاعه على أنَّه خبرٌ ، بعد خبرٍ ، أو بدلٌ " . قال أبو حيَّان : " وهذا الذي ذكرُهُ لا يكُونُ إلاَّ على المجازِ في قولِ : وهو أن يراد به كلمةٌ اللهِ ، لأنَّ اللفظ لا يكُونُ الذَّات " .
والنَّصْبُ : يجوزُ فيه أن يكون مصدراً مؤكَّداً لمضمُون الجملة ؛ كقولك : " هُوَ عَبْدُ الله الحقَّ ، لا الباطِلَ " أي : أقولُ قول الحقِّ ، فالحقُّ الصِّدقُ ، وهو من إضافةِ الموصوف إلى صفته ، أي : القول الحقَّ ؛ كقوله : { وَعْدَ الصدق } [ الأحقاف : 16 ] أي : الوعد الصِّدق ، ويجوز أن يكون منصوباً على المَدْحِ ، إن أريد بالحقِّ الباري تعالى ، و " الَّذِي " نعتٌ للقول ، إن أريد به عيسى ، وسُمِّي قولاً كما سُمّي كلمةً ، لأنه عنها نشأ .
وذلك أنَّ الحق هو اسمُ الله تعالى ، فلا فرق بين أن نقول : عيسى هو كلمة الله ، وبين أن نقول : عيسى قولُ الحقِّ .
وقيل : هو منصوبٌ بإضمار " أعْنِي " وقيل : هو منصوبٌ على الحالِ من " عيسَى " ويؤيِّد هذا ما نُقِلَ عن الكسائيَّ في توجيهِ الرفعِ : أنه صفةٌ لعيسى .
وقرأ الأعمشُ " قالُ " برفع اللاَّم ، وهي قراءةُ ابن مسعودٍ أيضاً ، وقرأ الحسن " قُولُ " بضم القاف ، ورفع اللام وكذلك في الأنعام { قَوْلُهُ الحق } [ الأنعام : 73 ] ، وهي مصادر لِ " قالَ " يقالُ يَقُولُ قَوْلاً وقُولاً ؛ كالرَّهْبِ ، والرّهَبِ والرُّهْب ، وقال أبو البقاء : " والقَالُ : اسمٌ للمصدر ؛ مثلُ : القِيلِ ، وحُكِيَ " قُولُ الحقِّ " بضمّ القاف ؛ مثل " الرُّوحِ " وهي لغةٌ فيه " . قال شهاب الدين : الظاهرُ أنَّ هذه مصادرُ كلُّها ، ليس بعضها اسماً للمصدر ، كما تقدَّم تقريره في الرَّهْبِ والرَّهَبِ والرُّهْبِ .
وقرأ طلحةُ والأعمشُ " قالَ الحقُّ " جعل " " قَالَ " فعلاً ماضياً ، و " الحَقُّ " فاعلٌ ، والمرادُ به الباري تعالى ، أي : قَالَ الهُ الحَقُّ : إنَّ عيسى هو كلمةُ الله ، ويكونُ قوله { الَّذِي فيهِ يَمْتُرُونَ } خبراً لمبتدأ محذوف .
وقرأ عليُّ{[21604]} بنُ أبي طالب- كرم الله وجهه- والسلميُّ ، وداودُ بنُ أبي هندٍ ، ونافعٌ ، والكسائيُّ في رواية عنهما [ " تَمْتَرُونَ " بتاء ] الخطاب ، والباقون بياءِ الغيبة ، وتَمْتَرُون : تَفْتَعِلُون : إمَّا من المريةِ ، وهي الشَّكُّ ، وإمَّا من المراء ، وهو الجدالُ .
وتقدَّم الكلامُ على نصب " فَيَكُونَ " .
" ذَلِكَ " إشارةٌ إلى ما تقدَّم .
قال الزَّجَّّاج {[21605]}- رحمه الله- ، أي : ذلك الذي قال : { إِنِّي عَبْدُ الله } عيسى ابن مريم إشارةٌ إلى أنَّه ولدُ هذه المرأة ، لا أنَّه ابنُ الله [ كما زعمت النصارى ]{[21606]} .
وقوله : { الذي فِيهِ يَمْتُرُونَ } ، أي : يختلفوُن ، وأما امتراؤهُم في عيسى ، فقائلٌ يقُولُ : هو ابنُ الله ، وقائلٌ يقولُ : هو الله ، وقائل يقُولُ : هو ساحرٌ كاذبٌ ، وتقدَّم الكلامُ على ذلك في آل عمران .
ورُوِيَ أن عيسى - صلوات الله عليه- لمَّا رفع ، حضر أربعةٌ من [ أكابر ]{[21607]} علمائهم ، فقيل للأوَّل : ما تُقولُ في عيسى ؟ قال : هو الله هبط إلى الأرض ، خلق ، وأحيى ، ثم صعد إلى السَّماء ، فتبعهُ على ذلك خلقٌ ، وهم اليَعْقُوبيَّةُ ، وقيل للثاني : ما تقوُلُ ؟ قال : هو ابنُ الله ، فتابعهُ على ذلك ناسٌ ، وهم النسطورية ، [ وقيل للثالث : ما تقول ؟ قال : هو إله ، والله إله ، فتابعه على ذلك أناس ، وهم الإسرائيلية ]{[21608]} ، وقيل للرابع : ما تقولُ ؟ فقال : عبدُ الله ورسولهُ ، وهو المؤمنُ المُسْلم ، وقال : أما تعلمُونَ أنَّ عيسى كان يطعمُ ، ونيام ، وأنَّ الله تعالى لا يجُوزُ ذلك عليه ، فخصمهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.