البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ذَٰلِكَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ قَوۡلَ ٱلۡحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمۡتَرُونَ} (34)

الإشارة بذلك إلى المولود الذي ولدته مريم المتصف بتلك الأوصاف الجميلة ، و { ذلك } مبتدأ و { عيسى } خبره و { ابن مريم } صفة لعيسى أو خبر بعد خبر أو بدل ، والمقصود ثبوت بنوّته من مريم خاصة من غير أب فليس بابن له كما يزعم النصارى ولا لغير رشدة كما يزعم اليهود .

وقرأ زيد بن عليّ وابن عامر وعاصم وحمزة وابن أبي إسحاق والحسن ويعقوب { قول الحق } بنصب اللام ، وانتصابه على أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة أي هذه الأخبار عن { عيسى } أنه { ابن مريم } ثابت صدق ليس منسوباً لغيرها ، أي إنها ولدته من غير مس بشر كما تقول هذا عبد الله الحق لا الباطل ، أي أقول { الحق } وأقول قول { الحق } فيكون { الحق } هنا الصدق وهو من إضافة الموصوف إلى صفته أي القول { الحق } كما قال { وعد الصدق } أي الوعد الصدق وإن عنى به الله تعالى كان القول مراداً به الكلمة كما قالوا كلمة الله كان انتصابه على المدح وعلى هذا تكون الذي صفة للقول ، وعلى الوجه الأول تكون { الذي } صفة للحق .

وقرأ الجمهور { قول } برفع اللام .

وقرأ ابن مسعود والأعمش قال بألف ورفع اللام .

وقرأ الحسن { قول } بضم القاف ورفع اللام وهي مصادر كالرهب والرهب والرهب وارتفاعه على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هو أي نسبته إلى أمه فقط { قول الحق } فتتفق إذ ذاك قراءة النصب وقراءة الرفع في المعنى .

وقال الزمخشري : وارتفاعه على أنه خبر بعد خبر أو بدل انتهى .

وهذا الذي ذكر لا يكون إلاّ على المجاز في قول وهو أن يراد به كلمة الله لأن اللفظ لا يكون الذات .

وقرأ طلحة والأعمش في رواية زائدة قال : بألف جعله فعلاً ماضياً { الحق } برفع القاف على الفاعلية ، والمعنى قال الحق وهو الله { ذلك } الناطق الموصوف بتلك الأوصاف هو { عيسى ابن مريم } و { الذي } على هذا خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي .

وقرأ عليّ كرم الله وجهه والسلمي وداود بن أبي هند ونافع في رواية والكسائي في رواية { تمترون } بتاء الخطاب والجمهور بياء الغيبة ، وامترى افتعل إما من المرية وهي الشك ، وإما من المراء وهو المجادلة والملاحاة ، وكلاهما مقول هنا قالت اليهود ساحر كذاب ، وقالت النصارى ابن الله وثالثها ثلاثة وهو الله