إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ذَٰلِكَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ قَوۡلَ ٱلۡحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمۡتَرُونَ} (34)

{ ذلك } إشارةٌ إلى من فُصّلت نعوتُه الجليلةُ ، وما فيه من معنى البُعد للدِلالة على علو مرتبتِه وبُعد منزلتِه وامتيازِه بتلك المناقبِ الحميدةِ عن غيره ونزولِه منزلةَ المشاهَد المحسوس { عِيسَى ابن مَرْيَمَ } لا ما يصفه النصارى ، وهو تكذيبٌ لهم فيما يزعُمونه على الوجه الأبلغِ والمنهاج البرهانيِّ حيث جعله موصوفاً بأضداد ما يصفونه { قَوْلَ الحق } بالنصب على أنه مصدرٌ مؤكِّدٌ لقال : إني عبد الله الخ ، وقوله تعالى : { ذلك عِيسَى ابن مَرْيَمَ } اعتراضٌ مقرِّرٌ لمضمون ما قبله ، وقرئ بالرفع على أنه خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي هو قولُ الحق الذي لا ريب فيه ، والإضافةُ للبيان والضميرُ للكلام السابق لتمام القصة ، وقيل : صفةُ عيسى أو بدلُه أو خبرٌ ثانٍ ومعناه كلمةُ الله ، وقرئ قالَ الحقِّ وقول الحق فإن القولَ والقال في معنى واحد { الذي فِيهِ يَمْتُرُونَ } أي يشكون أو يتنازعون ، فيقول اليهودُ : ساحرٌ ، والنصارى : ابنُ الله ، وقرئ بتاء الخطاب .