الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{ذَٰلِكَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ قَوۡلَ ٱلۡحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمۡتَرُونَ} (34)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: هذا الذي بيّنت لكم صفته، وأخبرتكم خبره، من أمر الغلام الذي حملته مريم، هو عيسى ابن مريم، وهذه الصفة صفته، وهذا الخبر خبره، وهو قَوْلَ الحَقّ يعني أن هذا الخبر الذي قصصته عليكم قول الحقّ، والكلام الذي تلوته عليكم قول الله وخبره، لا خبر غيره، الذي يقع فيه الوهم والشكّ، والزيادة والنقصان، على ما كان يقول الله تعالى ذكره: فقولوا في عيسى أيها الناس، هذا القول الذي أخبركم الله به عنه، لا ما قالته اليهود، الذين زعموا أنه لغير رِشْدَة، وأنه كان ساحرا كذّابا، ولا ما قالته النصارى، من أنه كان لله ولدا، وإن الله لم يتخذ ولدا، ولا ينبغي ذلك له...

وأما قوله تعالى ذكره:"الّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ" فإنه يعني: الذي فيه يختصمون ويختلفون، من قولهم: ماريت فلانا: إذا جادلته وخاصمته... قوله: "الّذِي فيهِ يَمْتَرُونَ "قال: اختلفوا، فقالت فرقة: هو عبد الله ونبيه، فآمنوا به. وقالت فرقة: بل هو الله. وقالت فرقة: هو ابن الله. تبارك وتعالى عما يقولون علوّا كبيرا. قال: فذلك قوله: "فاخْتَلَفَ اْلأحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ" والتي في الزخرف.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{ذلك عيسى ابن مريم} أي ذلك عيسى ابن مريم، ليس على ما قالت النصارى وغيرهم: إنه ابن الله، وإنه ثالث ثلاثة على ما قالوا: ولكن عيسى ابن مريم عبد الله كما أقر هو بالعبودية حين {قال إني عبد الله} (مريم: 30). ويحتمل قوله: {ذلك عيسى ابن مريم} أن يكون ذلك الذي أنبأتهم من نبأ عيسى {قول الحق الذي فيه يمترون} أن يكون هؤلاء الكفرة حين أنكروا أنه ليس على ما أنبأتهم من نبئه، أي الذي يشكون فيه، هو قول الحق، والله أعلم.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

"ذلك عيسى ابن مريم قول الحق" أي الذي تلوناه من صفة عيسى "قول الحق" أي كلمة الحق "الذي فيه يمترون" أي يشكون فيه...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

وإنما قيل لعيسى «كلمة الله» و«قول الحق» لأنه لم يولد إلا بكلمة الله وحدها، وهي قوله «كن» من غير واسطة أب، تسمية للمسبب باسم السبب، كما سمى العشب بالسماء، والشحم بالندا. ويحتمل إذا أريد بقول الحق [عيسى، أن يكون الحق] اسم الله عز وجل، وأن يكون بمعنى الثبات والصدق، ويعضده قوله: {الذي فِيهِ يَمْتُرُونَ} أي أمره حق يقين وهم فيه شاكون {يَمْتَرُونَ} يشكون. والمرية: الشك. أو يتمارون: يتلاحون،...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

المعنى قل يا محمد لمعاصريك من اليهود والنصارى {ذلك} الذي منه قصة {عيسى بن مريم} وإنما قدرنا في الكلام قل يا محمد لأنه يجيء في الآية بعد، «وأن الله ربي وربكم» هذه مقالة بشر، وليس يقتضي ظاهر الآية قائلاً من البشر سوى محمد صلى الله عليه وسلم، وقد يتحمل أن يكون قوله {ذلك عيسى} الى قوله {فيكون} إخباراً لمحمد اعتراضاً أثناء كلام عيسى، ويكون قوله «وأن» بفتح الألف عطفاً على قوله {الكتاب} [مريم: 30].

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

{ذلك عيسى} أنه {ابن مريم} ثابت صدق ليس منسوباً لغيرها، أي إنها ولدته من غير مس بشر، كما تقول هذا عبد الله الحق لا الباطل، أي أقول {الحق} وأقول قول {الحق} فيكون {الحق} هنا الصدق وهو من إضافة الموصوف إلى صفته أي القول {الحق}.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان في ذلك من أقوال عيسى وأحواله -المنادية بالحاجة للتنقل في أطوار غيره من البشر والكرامة من الله- أعظم البيان عن بعده عما ادعى فيه النصارى من الإلهية واليهود من أنه لغير رشده، نبه على ذلك مشيراً إليه بأداة البعد فقال مبتدئاً: {ذلك} أي الولد العظيم الشأن، العلي الرتبة، الذي هذه أحواله وأقواله البعيدة عن صفة الإله وصفة من ارتاب في أمره؛ ثم بين اسم الإشارة أو أخبر فقال: {عيسى ابن مريم} أي وحدها ليس لغيرها فيه بنوة أصلاً، وهي من أولاد آدم، فهو كذلك؛ ثم عظم هذا البيان تعظيماً آخر فقال: {قول} أي هو -أي نسبته إلى مريم فقط- قول {الحق} أي الذي يطابقه الواقع، أو يكون القول عيسى نفسه كما أطلق عليه في غير هذا الموضع "كلمة "من تسمية المسبب باسم السبب وهو على هذه القراءة خبر بعد خبر أو بدل أو خبر مبتدأ محذوف، وعلى قراءة عاصم وابن عامر بالنصب، هو إغراء، أي الزموا ذلك وهو نسبته إلى مريم عليهما السلام وحدها ثم عجب من ضلالهم فيه بقوله: {الذي فيه يمترون} أي يشكون شكاً يتكلفونه ويجادلونه به مع أن أمره في غاية الوضوح، ليس موضعاً للشك أصلاً.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

أي: ذلك الموصوف بتلك الصفات، عيسى بن مريم، من غير شك ولا مرية، بل قول الحق، وكلام الله، الذي لا أصدق منه قيلا، ولا أحسن منه حديثا، فهذا الخبر اليقيني، عن عيسى عليه السلام، وما قيل فيه مما يخالف هذا، فإنه مقطوع ببطلانه،. وغايته أن يكون شكا من قائله لا علم له به، ولهذا قال: {الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ْ} أي: يشكون فيمارون بشكهم، ويجادلون بخرصهم، فمن قائل عنه: إنه الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، تعالى الله عن إفكهم وتقولهم علوا كبيرا.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ولا يزيد السياق القرآني شيئا على هذا المشهد. لا يقول: كيف استقبل القوم هذه الخارقة. ولا ماذا كان بعدها من أمر مريم وابنها العجيب. ولا متى كانت نبوته التي أشار إليها وهو يقول:

(آتاني الكتاب وجعلني نبيا).. ذلك أن حادث ميلاد عيسى هو المقصود في هذا الموضع. فحين يصل به السياق إلى ذلك المشهد الخارق يسدل الستار ليعقب بالغرض المقصود في أنسب موضع من السياق، بلهجة التقرير، وإيقاع التقرير:

(ذلك عيسى ابن مريم. قول الحق الذي فيه يمترون. ما كان لله أن يتخذ من ولد. سبحانه. إذا قضى أمرا فإنما يقول له: كن فيكون. وإن الله ربي وربكم فاعبدوه. هذا صراط مستقيم)..

ذلك عيسى ابن مريم، لا ما يقوله المؤلهون له أو المتهمون لأمه في مولده.. ذلك هو في حقيقته وذلك واقع نشأته. ذلك هو يقول الحق الذي فيه يمترون ويشكون.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والإشارة لتمييز المذكور أكمل تمييز تعريضاً بالرد على اليهود والنصارى جميعاً، إذ أنزله اليهود إلى حضيض الجناة، ورفعه النصارى إلى مقام الإلهية، وكلاهما مخطئ مبطل، أي ذلك هو عيسى بالحق، وأما من تصفونه فليس هو عيسى لأن استحضار الشخص بصفات غير صفاته تبديل لشخصيته، فلما وصفوه بغير ما هو صفته جُعلوا بمنزلة من لا يعرفونه فاجتلب اسم الإشارة ليتميز الموصوف أكمل تمييز عند الذين يريدون أن يعرفوه حق معرفته. والمقصود بالتمييز تمييز صفاته الحقيقية عن الصفات الباطلة التي ألصقوها به لا تمييزُ ذاته عن الذوات إذ ليست ذاته بحاضرة وقت نزول الآية، أي تلك حقيقة عيسى عليه السلام وصفته. ومعنى {قَولَ الحقّ} أن تلك الصفات التي سمعتم هي قول الحق، أي مَقول هو الحق وما خالفها باطل، أو أن عيسى عليه السلام هو قول الحق، أي مقول الحق، أي المكون من قول (كُن)، فيكون مصدراً بمعنى اسم المفعول كالخلق في قوله تعالى: {هذا خلق الله} [لقمان: 11]. والامتراء: الشكّ، أي الذي فيه يشكون، أي يعتقدون اعتقاداً مَبناه الشك والخطأ، فإن عاد الموصول إلى القول فالامتراء فيه هو الامتراء في صدقه، وإن عاد إلى عيسى فالامتراء فيه هو الامتراء في صفاته بين رافع وخافض.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

هذا هو التعريف بعيسى عليه السلام هذا بيان لعيسى عليه السلام، بينت الآيات فيه كيف حملت به أمه، وبينت أن الذي نفخ فيها روح القدس، وهو مخلوق من الله تعالى، فيكون ما ينفخه مخلوقا أيضا، فيكون دعوى أنه الله دعوى لا أساس لها من الصحة، بل باطلة في ذاتها، وفيما اقترن بولادته فهو مخلوق كسائر المخلوقات، وإذا كان مخلوقا فهو محدث، وليس بقديم، ولم ينشأ عن الله نشوء العلة من المعلول، كما ينشأ المسبب عن السبب، بل خلقه وأبدعه مختارا مريدا، أنشأه من حيث لم يكن، لذا قال تعالى: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون}. الإشارة إلى المذكور من التبشير به على لسان جبريل عليه السلام ونفخه في مريم من جيب قميصها إلى ولادته ونطقه غلاما زكيا، وإن ذلك كله خارق لنظام الأسباب والمسببات الذي كان يؤمن به فلاسفة الإسكندرية التي ولدت منها ديانة التثليث.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

{ذلك} أي: ما تقدم من قصة عيسى عليه السلام {قول الحق} أي: يقولها الله تعالى قولة حق، والحق هو الله، فالذي قص عليك هذا القصص هو الله، وقوله الحق الذي لا باطل فيه، فيكون الحق الذي هو ضد الباطل، فالمعنيان ملتقيان. أو: يكون المراد بقول الحق كلمة (كن) التي بها يتم الخلق. ثم يقول تعالى: {الذي فيه يمترون} من المراء: وهو الاختلاف والجدال بالباطل، فالحق سبحانه يعلم أنهم سيشكون فيه، ويتجادلون بالباطل، وأنهم سيقولون فيه الأقاويل، وكأن الله تعالى يقول لهم: اتركوا هذه الأقاويل والأباطيل في شأن عيسى وخذوا بما أخبرتكم به من خبره، فهو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} في قصة ولادته، وفي طبيعته البشرية، وفي رسالته، من موقع الإيضاح الذي يمنع الشك والريب، ويدفع إلى الإيمان من أقرب طريق، {قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتُرُونَ} أي أقول قول الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بالرغم مما يتنازعون فيه من الكلمات غير المسؤولة، ومن الآراء التي لا ترتكز على حجة، ولا تستند إلى علم، بل هو التكلُّف، والتأويل، والبعد عن الحق، وذلك في ما ابتدعوه من فكرة نسبة الولد إلى الله، بقولهم عن عيسى إنه ابن الله.. ولكن ذلك لا يرجع إلى أساس، ولا يركن إلى حقيقة،