فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ذَٰلِكَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَۖ قَوۡلَ ٱلۡحَقِّ ٱلَّذِي فِيهِ يَمۡتَرُونَ} (34)

{ ذلك } أي المتصف بالأوصاف الثمانية السابقة . وقال الزجاج : ذلك الذي قال : إني عبد الله { عيسى ابن مريم } لا ما تقوله النصارى من أنه ابن الله وأنه إله .

{ قول الحق } قرئ بالنصب على المدح أو على أنه مصدر مؤكد لقال إني عبد الله ، قاله الزجاج . وقرئ بالرفع على أنه نعت لعيسى . قاله الكسائي . وسمي قول الحق كما سمي كلمة الله . والحق هو الله عز وجل قاله قتادة . وقال أبو حاتم : المعنى هو قول الحق . وقيل التقدير هذا الكلام قول الحق ، وهو من باب إضافة الموصوف إلى الصفة مثل حق اليقين . وقيل الإضافة للبيان . وقرئ قال الحق ، وروي ذلك عن ابن مسعود ، وقرأ الحسن قول الحق بضم القاف ، والقول والقول والقال والمقال بمعنى واحد .

{ الذي فيه يمترون } أي ذلك عيسى بن مريم الذي فيه يمترون ، ومعناه يختلفون على أنه من الممارة أو يشكون على أنه من المرية ، وقد وقع الاختلاف في عيسى ، فقالت اليهود : هو ساحر وأنه ابن يوسف النجار ، وقالت النصارى : هو ابن الله أو إله .

وعن قتادة في الآية قال : اجتمع بنو إسرائيل فأخرجوا منهم أربعة نفر ؛ أخرج كل قوم عالمهم ، فامتروا في عيسى حين رفع ، فقال أحدهم : هو الله هبط إلى الأرض فأحيى من أحيى وأمات من أمات ثم صعد إلى السماء . وهم اليعقوبية فقالت الثلاثة كذبت ، ثم قال اثنان منهم للثالث قل فيه ، فقال هو ابن الله ، وهم النسطورية ، فقال الاثنان كذبت ، ثم قال أحد الاثنين للآخر قل فيه ، فقال هو ثالث ثلاثة : الله إله وعيسى إله وأمه إله . وهم الإسرائيلية وهم ملوك النصارى فقال الرابع كذبت هو عبد الله ورسوله وروحه من كلمته ، وهم المسلمون فكان لكل رجل منهم أتباع على ما قال ، فاقتتلوا وظهروا على المسلمين ، فذلك قول الله سبحانه { ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس } .

قال قتادة : وهم الذين قال الله فيهم : فاختلف الأحزاب من بينهم ، فاختلفوا فيه فصاروا أحزابا ، فاختصم القوم فقال المرء المسلم أنشدكم بالله هل تعلمون أن عيسى كان يطعم الطعام وأن الله لا يطعم ؟ قالوا اللهم نعم . قال فهل تعلمون أن عيسى كان ينام وأن الله لا ينام ؟ قالوا اللهم نعم ، فخصمهم المسلمون فاقتتل القوم فذكر لنا أن اليعقوبية ظهرت يومئذ وأصيب المسلمون ، فأنزل الله { فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم } .