قوله تعالى : { قالوا سبحانك } . تنزيهاً لك .
قوله تعالى : { لا علم لنا إلا ما علمتنا } . معناه أنك أجل من أن نحيط بشيء من علمك إلا ما علمتنا .
قوله تعالى : { إنك أنت العليم } . بخلقك .
قوله تعالى : { الحكيم } . في أمرك . والحكيم له ومعنيان : أحدهما الحاكم وهو القاضي العدل . والثاني المحكم للأمر كي لا يتطرق إليه الفساد . وأصل الحكمة في اللغة : المنع فهي تمنع صاحبها من الباطل ومنه حكمة الدابة لأنها تمنعها من الاعوجاج ، فلما ظهر عجزهم { قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون } .
{ قَالُوا سُبْحَانَكَ } أي : ننزهك من الاعتراض منا عليك ، ومخالفة أمرك . { لَا عِلْمَ لَنَا } بوجه من الوجوه { إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا } إياه ، فضلا منك وجودا ، { إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } العليم الذي أحاط علما بكل شيء ، فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السماوات والأرض ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر .
الحكيم : من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق ، ولا يشذ عنها مأمور ، فما خلق شيئا إلا لحكمة : ولا أمر بشيء إلا لحكمة ، والحكمة : وضع الشيء في موضعه اللائق به ، فأقروا ، واعترفوا بعلم الله وحكمته ، وقصورهم عن معرفة أدنى شيء ، واعترافهم بفضل الله عليهم ، وتعليمه إياهم ما لا يعلمون .
{ قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا } اعتراف بالعجز والقصور ، وإشعار بأن سؤالهم كان استفسارا ولم يكن اعتراضا ، وأنه قد بان لهم ما خفي عليهم من فضل الإنسان والحكمة في خلقه وإظهار لشكر نعمته بما عرفهم وكشف لهم ما اعتقل عليهم ، ومراعاة للأدب بتفويض العلم كله إليه . وسبحانك مصدر كغفران ولا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بإضمار فعله ، كمعاذ الله . وقد أجري علما للتسبيح بمعنى التنزيه على الشذوذ في قوله : سبحان من علقمة الفاخر . وتصدير الكلام به اعتذار عن الاستفسار والجهل بحقيقة الحال ، ولذلك جعل مفتاح التوبة فقال موسى عليه السلام : { سبحانك تبت إليك } وقال يونس : { سبحانك إني كنت من الظالمين } .
{ إنك أنت العليم } الذي لا يخفى عليه خافية : { الحكيم } المحكم لمبدعاته الذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة بالغة . وأنت فصل ، وقيل : تأكيد للكاف كما في قولك : مررت بك أنت ، وإن لم يجز : مررت بأنت ، إذ التابع يسوغ فيه ما لا يسوغ في المتبوع ، ولذلك جاز : يا هذا الرجل ، ولم يجز : يا الرجل ، وقيل : مبتدأ خبره ما بعده والجملة خبر إن .
قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ( 31 )
جرد { قالوا } من الفاء لأنه محاورة كما تقدم عند قوله تعالى : { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها } [ البقرة : 30 ] وافتتاح كلامهم بالتسبيح وقوف في مقام الأدب والتعظيم لذي العظمة المطلقة ، وسبحان اسم التسبيح وقد تقدم عند قوله : { ونحن نسبح بحمدك } [ البقرة : 30 ] وهو اسم مصدر سَبَّحَ المضاعف وليس مصدراً لأنه لم يجىء على أبنية مصادر الرباعي وقيل هو مصدر سَبَحَ مخففاً بمعنى نزه فيكون كالغفران والشكران ، والكفران من غفر وشكر وكفر وقد كثر استعماله منصوباً على المفعولية المطلقة بإضمار فعله ك { معاذ الله } [ يوسف : 23 ] وقد يخرج عن ذلك نادراً قال : « سبحانك اللهم ذا السبحان » وكأنهم لما خصصوه في الاستعمال بجعله كالعلم على التنزيه عدلوا عن قياس اشتقاقه فصار سبحان كالعلم الجنسي مثل برة وفجار بكسر الراء في قول النابغة :
* فحملتُ برّة واحتملتُ فجارِ *
ومنعوه من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون قال سيبويه : وأما ترك تنوين ( سبحان ) فلأنه صار عندهم معرفة وقول الملائكة : { لا علم لنا إلا ما علمتنا } خبر مراد منه الاعتراف بالعجز لا الإخبار عن حالهم لأنهم يوقنون أن الله يعلم ما تضمنه كلامهم . ولا أنهم قصدوا لازم الفائدة وهي أن المخبر عالم بالخبر فتعين أن الخبر مستعمل في الاعتراف .
ثم إن كلامهم هذا يدل على أن علومهم محدودة غير قابلة للزيادة فهي مقصورة على ما ألهمهم الله تعالى وما يأمرهم ، فللملائكة علم قبول المعاني لا علم استنباطها .
وفي تصدير كلامهم بسبحانك إيماء إلى الاعتذار عن مراجعتهم بقولهم : { أتجعل فيها من يفسد فيها } [ البقرة : 30 ] فهو افتتاح من قبيل براعة الاستهلال عن الاعتذار . والاعتذار وإن كان يحصل بقولهم : { لا علم لنا إلا ما علمتنا } لكن حصول ذلك منه بطريق الكناية دون التصريح ويحصل آخراً لا ابتداء فكان افتتاح كلامهم بالتنزيه تعجيلاً بما يدل على ملازمة جانب الأدب العظيم { إنك أنت العليم الحكيم } ساقوه مساق التعليل لقولهم { لا علم لنا إلا ما علمتنا } لأن المحيط علمه بكل شيء المحكم لكل خلق إذا لم يجعل لبعض مخلوقاته سبيلاً إلى علم شيء لم يكن لهم قبل بعلمه إذ الحصول بقدر القبول والاستعداد أي فلا مطمع لنا في تجاوز العلم إلى ما لم تهيىء لنا علمه بحسب فطرتنا . والذي دل على أن هذا القول مسوق للتعليل وليس مجرد ثناء هو تصديره بإن في غير مقام رد إنكار ولا تردد .
قال الشيخ في « دلائل الإعجاز »{[109]} :
{قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا}:
- القرطبي: قال مالك بن أنس: سمعت ابن هرمز يقول: ينبغي للعالم أن يورث جلساءه من بعده (لا أدري)، حتى تكون أصلا في أيديهم، فإذا سئل أحدهم عما لا يدري قال: لا أدري.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
هذا خبر من الله جل ذكره عن ملائكته بالأوبة إليه، وتسليم علم ما لم يعلموه له، وتبريهم من أن يعلموا أو يعلم أحد شيئا إلا ما علمه تعالى ذكره. وفي هذه الآيات الثلاث العبرة لمن اعتبر، والذكرى لمن اذّكر، والبيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، عما أودع الله جل ثناؤه آي هذا القرآن من لطائف الحكم التي تعجز عن أوصافها الألسن.
وذلك أن الله جل ثناؤه احتجّ فيها لنبيه صلى الله عليه وسلم على من كان بين ظهرانيه من يهود بني إسرائيل باطلاعه إياه من علوم الغيب التي لم يكن جل ثناؤه أطلع عليها من خلقه إلا خاصّا، ولم يكن مدركا علمه إلا بالإنباء والإخبار، لتتقرّر عندهم صحة نبوّته، ويعلموا أن ما أتاهم به فمن عنده، ودلّ فيها على أن كل مخبر خبرا عما قد كان أو عما هو كائن مما لم يكن ولم يأته به خبر ولم يوضع له على صحته برهان فمتقوّل ما يستوجب به من ربه العقوبة.
ألا ترى أن الله جل ذكره ردّ على ملائكته قيلهم:"أتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قالَ إنّي أعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ" وعرّفهم أن قيل ذلك لم يكن جائزا لهم بما عرّفهم من قصور علمهم عند عرضه ما عرض عليهم من أهل الأسماء، فقال: "أنْبِئُونِي بِأسْماءِ هَؤلاءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ "فلم يكن لهم مفزع إلا الإقرار بالعجز، والتبرّي إليه أن يعلموا إلا ما علمهم بقولهم: "سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاّ ما عَلمْتَنَا" فكان في ذلك أوضح الدلالة وأبين الحجة على كذب مقالة كل من ادّعى شيئا من علوم الغيب من الحزاة والكهنة والقافة والمنجمة. وذكر بها الذين وصفنا أمرهم من أهل الكتاب سوالف نعمه على آبائهم، وأياديه عند أسلافهم، عند إنابتهم إليه، وإقبالهم إلى طاعته مستعطفهم بذلك إلى الرشاد، ومستعتبهم به إلى النجاة، وحذّرهم بالإصرار والتمادي في البغي والضلال، حلولَ العقاب بهم نظير ما أحلّ بعدوّه إبليس، إذ تمادى في الغيّ والخسار...
قال: وأما تأويل قوله: "سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاّ ما عَلمْتَنَا"... [ف] عن ابن عباس: قالوا: "سُبْحانَكَ" تنزيها لله من أن يكون أحد يعلم الغيب غيره، تبنا إليك، "لا علم لنا إلا ما علمتنا": تبرّءوا منهم من علم الغيب، إلا ما علمتنا كما علمت آدم.
وسبحان مصدر لا تصرّف له، ومعناه: نسبحك، كأنهم قالوا: نسبحك تسبيحا، وننزّهك تنزيها، ونبرّئك من أن نعلم شيئا غير ما علمتنا...
"إنكَ أنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ": أنت يا ربنا العليم من غير تعليم بجميع ما قد كان وما وهو كائن، والعالم للغيوب دون جميع خلقك.
و ذلك أنهم نفوا عن أنفسهم بقولهم: "لا عِلْمَ لَنا إِلاّ ما عَلّمْتَنَا" أن يكون لهم علم إلا ما علمهم ربهم. وأثبتوا ما نفوا عن أنفسهم من ذلك لربهم بقولهم: "إنكَ أنْتَ العَلِيمُ" يعنون بذلك العالم من غير تعليم، إذ كان من سواك لا يعلم شيئا إلا بتعليم غيره إياه. "الحكيم": هو ذو الحكمة...
عن عليّ، عن ابن عباس، العليم: الذي قد كمل في علمه. والحكيم: الذي قد كمل في حكمه. وقد قيل: إن معنى الحكيم: الحاكم، كما أن العليم بمعنى العالم...
اعلم أن الذين اعتقدوا أن الملائكة أتوا بالمعصية في قولهم {أتجعل فيها من يفسد فيها} قالوا: إنهم لما عرفوا خطأهم في هذا السؤال رجعوا وتابوا واعتذروا عن خطئهم بقولهم {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا}
والذين أنكروا معصيتهم ذكروا في ذلك وجهين.
الأول: أنهم إنما قالوا ذلك على وجه الاعتراف بالعجز والتسليم بأنهم لا يعلمون ما سئلوا عنه وذلك لأنهم قالوا إنا لا نعلم إلا ما علمتنا فإذا لم تعلمنا ذلك فكيف نعلمه،
الثاني: أن الملائكة إنما قالوا {أتجعل فيها} لأن الله تعالى أعلمهم ذلك فكأنهم قالوا إنك أعلمتنا أنهم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء فقلنا لك أتجعل فيها من يفسد فيها وأما هذه الأسماء فإنك ما أعلمتنا كيفيتها فكيف نعلمها...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{قالوا سبحانك}: والمعنى نقدسك وننزهك أن يكون علمك قاصرا فتخلق الخليفة عبثا، أو تسألنا شيئا نفيده وأنت تعلم أننا لا نحيط بعلمه، ولا نقدر على الإنباء به، وكلمة "سبحانك "تهدي إلى هذا فكأنها جملة وحدها، وهذه هي البلاغة مضروب سرادقها، مثمرة حدائقها، متجلية حقائقها،
على أن القصة وردت مورد التمثيل، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل، وبعد تنزيه الباري تبرؤا من علمهم إلى علمه تعالى وحكمته فقالوا {لا علم لنا إلا ما علمتنا} وهو محدود لا يتناول جميع الأسماء ولا يحيط بكل المسميات {إنك أنت العليم} بخلقك {الحكيم} في صنعك.
قال الأستاذ: إن هذه التأكيدات تشعر بأن سؤال الاستغراب الأول كان يتنسم منه شيء؛ وكذلك الجواب عن {أنبئوني} بقولهم {لا علم لنا} ولذلك ختموا الجواب بالتبرؤ من كل شيء والثناء على الله تعالى بالعلم الثابت الواجب لذاته العلية، والحكمة البالغة اللازمة له...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{قَالُوا سُبْحَانَكَ} أي: ننزهك من الاعتراض منا عليك، ومخالفة أمرك. {لَا عِلْمَ لَنَا} بوجه من الوجوه {إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} إياه، فضلا منك وجودا، {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} العليم الذي أحاط علما بكل شيء، فلا يغيب عنه ولا يعزب مثقال ذرة في السماوات والأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر.
الحكيم: من له الحكمة التامة التي لا يخرج عنها مخلوق، ولا يشذ عنها مأمور، فما خلق شيئا إلا لحكمة: ولا أمر بشيء إلا لحكمة، والحكمة: وضع الشيء في موضعه اللائق به، فأقروا، واعترفوا بعلم الله وحكمته، وقصورهم عن معرفة أدنى شيء، واعترافهم بفضل الله عليهم، وتعليمه إياهم ما لا يعلمون.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
ثم إن كلامهم هذا يدل على أن علومهم محدودة غير قابلة للزيادة فهي مقصورة على ما ألهمهم الله تعالى وما يأمرهم، فللملائكة علم قبول المعاني لا علم استنباطها... وفي تصدير كلامهم بسبحانك إيماء إلى الاعتذار عن مراجعتهم بقولهم: {أتجعل فيها من يفسد فيها} [البقرة: 30] فهو افتتاح من قبيل براعة الاستهلال عن الاعتذار. والاعتذار وإن كان يحصل بقولهم: {لا علم لنا إلا ما علمتنا} لكن حصول ذلك منه بطريق الكناية دون التصريح ويحصل آخراً لا ابتداء فكان افتتاح كلامهم بالتنزيه تعجيلاً بما يدل على ملازمة جانب الأدب العظيم.
{إنك أنت العليم الحكيم} ساقوه مساق التعليل لقولهم {لا علم لنا إلا ما علمتنا} لأن المحيط علمه بكل شيء المحكم لكل خلق إذا لم يجعل لبعض مخلوقاته سبيلاً إلى علم شيء لم يكن لهم قبل بعلمه، إذ الحصول بقدر القبول والاستعداد، أي فلا مطمع لنا في تجاوز العلم إلى ما لم تهيئ لنا علمه بحسب فطرتنا. والذي دل على أن هذا القول مسوق للتعليل وليس مجرد ثناء هو تصديره ب"إن" في غير مقام رد إنكار ولا تردد.
هذه الآية الكريمة. توضح لنا أن الله سبحانه وتعالى هو المعلم الأول في الكون. وإذا كان لكل علم معلم. فإن المعلم الأول لابد أن يكون هو الله سبحانه وتعالى. وإذا كنا نشاهد في عصرنا ألوانا من العلوم.. فهذه العلوم من تفاعل العقل الذي وهبه الله تعالى للإنسان. من المواد التي وضعها الله في الكون بالمنطق والعلم الذي علمه الله للإنسان. إن كل الاختراعات والابتكارات أخذت وجودها من مقدمات كانت سابقة عليها...
وهكذا يلفتنا الله جل جلاله إلى آياته التي في السماوات والأرض لنعمل فيها العقل والإدراك، لتستنبط منها ما يعطينا الحضارة..
إن القرآن يطالبنا بأن نواصل العلم الذي علمه الله لآدم. وإذا كان تاريخ العلوم يحمل لنا أخبارا عن قوم لم يكونوا مؤمنين ومع هذا سبقونا في العلم والاستنباط، فكان الواجب علينا نحن المؤمنين أن نتأمل آيات الله تعالى في الأرض.
أن قول الملائكة: {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} يتضمن الاعتراف بأن العلم كله مرجعه إلى الله. فالله سبحانه وتعالى هو مصدر العلم والحكمة. وقوله سبحانه وتعالى: {العليم الحكيم} العليم أي الذي يعلم كل شيء خافيا كان أو ظاهرا. والعلم كله منه. وأما الحكمة فتطلق في الأصل على قطعة الحديد التي توضع في فم الفرس لتلجمه حتى يمكن للراكب أن يتحكم فيه. ذلك أن الحصان حيوان مدلل شارد. يحتاج إلى ترويض. وقطعة الحديد التي توضع في فمه تجعله أكثر طاعة لصاحبه. وكأن إطلاق صفة الحكيم على الخالق سبحانه وتعالى هو أنه جل جلاله يحكم المخلوقات حتى لا تسير بغير هدى. ودون دراية.
والحكمة أن يوضع هدف لكل حركة لتنسجم الحركات بعضها مع بعض، ويصير الكون محكوما بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. والحكيم العليم. هو الذي يضع لكل كائن إطاره وحدوده. والحكمة هي أن يؤدي كل شيء ما هو مطلوب منه ببراعة. والحكمة في الفقه هي أن تستنبط الحكم السليم. والحكمة في الشعر أن تزن الكلمات على المفاعيل. والحكمة في الطب أن تعرف تشخيص المرض والدواء الذي يعالجه. والحكمة في الهندسة أن تصمم المستشفى طبقا لاحتياجات المريض والطبيب وأجهزة العلاج ومخازن الأدوية وغير ذلك. أو في تصميم المنزل للسكن المريح. وحكمة بناء منزل مثلا تختلف عن حكمة بناء قصر أو مكان للعمل.
والكون كله مخلوق من قبل حكيم عليم. وضع الخالق سبحانه وتعالى فيه كل شيء في موضعه ليؤدي مهمته. ووصف الله تعالى بأنه حكيم يتطلب أن يكون عليما. لأن علمه هو الذي يجعله يصنع كل شيء بحكمة. وقد أعطى الله سبحانه وتعالى لكل خلقه من العلم على قدر حاجته، فليس من طبيعة الملائكة أن يعرفوا ماذا سيفعل ذلك الإنسان الذي سيستخلفه الله في الأرض. ولكنهم موجودون لمهمة أخرى.. وميز الله الإنسان بالعقل ليستكشف من آيات الله في الكون على قدر حاجة حياته.