{ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى } أقل من ، { ثلثي الليل ونصفه وثلثه } قرأ أهل مكة والكوفة : { نصفه وثلثه } بنصب " الفاء " و " الثاء " وإشباع الهاءين ضماً ، أي : وتقوم نصفه وثلثه وقرأ الآخرون بجر الفاء والثاء وإشباع الهاءين كسراً ، عطفاً على ثلثي ، { وطائفة من الذين معك } يعني المؤمنين وكانوا يقومون معه ، { والله يقدر الليل والنهار } قال عطاء : يريد لا يفوته علم ما تفعلون ، إي أنه يعلم مقادير الليل والنهار فيعلم القدر الذي تقومون من الليل ، { علم أن لن تحصوه } قال الحسن : قاموا حتى انتفخت أقدامهم ، فنزل : { علم أن لن تحصوه } لن تطيقوه . وقال مقاتل : كان الرجل يصلي الليل كله ، مخافة أن لا يصيب ما أمر به من القيام ، فقال : { علم أن لن تحصوه } لن تطيقوا معرفة ذلك . { فتاب عليكم } فعاد عليكم بالعفو والتخفيف ، { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } يعني في الصلاة ، قال الحسن : يعني في صلاة المغرب والعشاء . قال قيس بن حازم : صليت خلف ابن عباس بالبصرة فقرأ في أول ركعة بالحمد وأول آية من البقرة ، ثم قام في الثانية فقرأ بالحمد والآية الثانية من البقرة ، ثم ركع ، فلما انصرف أقبل علينا بوجهه فقال : إن الله عز وجل يقول : فاقرؤوا ما تيسر منه .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، حدثنا أبو جعفر الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا عثمان بن صالح ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثني حميد بن مخراق ، عن أنس بن مالك " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من قرأ خمسين آية في يوم أو في ليلة لم يكتب من الغافلين ، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ مائتي آية لم يحاججه القرآن يوم القيامة ، ومن قرأ خمسمائة آية كتب له قنطار من الأجر " .
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى ، حدثنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثني القاسم بن زكريا بن عبيد الله بن موسى ، عن شيبان ، عن يحيى ، عن محمد عبد الرحمن مولى ابن زهرة ، عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو قال : " قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقرأ القرآن في كل شهر ، قال قلت : إني أجد قوة ، قال : فاقرأه في كل عشرين ليلة ، قال قلت : إني أجد قوة ، قال : فاقرأه في كل سبع ولا تزد على ذلك " . قوله عز وجل : { علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله } يعني المسافرين للتجارة يطلبون من رزق الله ، { وآخرون يقاتلون في سبيل الله } لا يطيقون قيام الليل . روى إبراهيم عن ابن مسعود قال : أيما رجل جلب شيئا ماً إلى المدينة من مدائن المسلمين صابراً محتسباً فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء ، ثم قرأ عبد الله : { وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه } أي ما تيسر عليكم من القرآن . قال أهل التفسير كان هذا في صدر الإسلام ثم نسخ بالصلوات الخمس ، وذلك قوله : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسناً } قال ابن عباس : يريد ما سوى الزكاة من صلة الرحم ، وقرى الضيف . { وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً } تجدوا ثوابه في الآخرة أفضل مما أعطيتم ، { وأعظم أجراً } من الذي أخرتم ، ولم تقدموه ، ونصب خير وأعظم على المفعول الثاني ، فإن الوجود إذا كان بمعنى الرؤية يتعدى إلى مفعولين ، وهو فصل في قول البصريين ، وعماد في قول الكوفيين ، لا محل له في الإعراب .
أخبرنا أبو القاسم يحيى بن علي الكشمهيني ، أنبأنا أبو نصر أحمد بن علي البخاري بالكوفة ، أنبأنا أبو القاسم نصر بن أحمد الفقيه بالموصل ، حدثنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن الحارث بن سويد قال : قال عبد الله : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه ؟ قالوا : يا رسول الله ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه . قال : اعلموا ما تقولون قالوا ما نعلم إلا ذلك يا رسول الله ، قال : ما منكم رجل إلا مال وارثه أحب إليه من ماله ، قالوا : كيف يا رسول الله ؟ قال : إنما مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما أخر " . { واستغفروا الله } لذنوبكم ، { إن الله غفور رحيم } .
{ 20 } { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
ذكر الله في أول هذه السورة أنه أمر رسوله بقيام نصف الليل أو ثلثه أو ثلثيه ، والأصل أن أمته أسوة له في الأحكام ، وذكر في هذا الموضع ، أنه امتثل ذلك هو وطائفة معه من المؤمنين .
ولما كان تحرير الوقت المأمور به مشقة على الناس ، أخبر أنه سهل عليهم في ذلك غاية التسهيل فقال : { وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ } أي : يعلم مقاديرهما وما يمضي منهما ويبقى .
{ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ } أي : [ لن ] تعرفوا مقداره من غير زيادة ولا نقص ، لكون ذلك يستدعي انتباها وعناء زائدا أي : فخفف عنكم ، وأمركم بما تيسر عليكم ، سواء زاد على المقدر أو نقص ، { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ } أي : مما تعرفون ومما لا يشق عليكم ، ولهذا كان المصلي بالليل مأمورا بالصلاة ما دام نشيطا ، فإذا فتر أو كسل أو نعس ، فليسترح ، ليأتي الصلاة بطمأنينة وراحة .
ثم ذكر بعض الأسباب المناسبة للتخفيف ، فقال : { عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى } يشق عليهم صلاة ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ، فليصل المريض المتسهل عليه{[1268]} ، ولا يكون أيضا مأمورا بالصلاة قائما عند مشقة ذلك ، بل لو شقت عليه الصلاة النافلة ، فله تركها [ وله أجر ما كان يعمل صحيحا ] . { وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } أي : وعلم أن منكم مسافرين يسافرون للتجارة ، ليستغنوا عن الخلق ، ويتكففوا عن الناس{[1269]} أي : فالمسافر ، حاله تناسب التخفيف ، ولهذا خفف عنه في صلاة الفرض ، فأبيح له جمع الصلاتين في وقت واحد ، وقصر الصلاة الرباعية .
وكذلك { آخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ } فذكر تعالى تخفيفين ، تخفيفا للصحيح المقيم ، يراعي فيه نشاطه ، من غير أن يكلف عليه تحرير الوقت ، بل يتحرى الصلاة الفاضلة ، وهي ثلث الليل بعد نصفه الأول .
وتخفيفا للمريض أو المسافر ، سواء كان سفره للتجارة ، أو لعبادة ، من قتال أو جهاد ، أو حج ، أو عمرة ، ونحو ذلك{[1270]} ، فإنه أيضا يراعي ما لا يكلفه ، فلله الحمد والثناء ، الذي ما جعل على الأمة في الدين{[1271]} من حرج ، بل سهل شرعه ، وراعى أحوال عباده ومصالح دينهم وأبدانهم ودنياهم .
ثم أمر العباد بعبادتين ، هما أم العبادات وعمادها : إقامة الصلاة ، التي لا يستقيم الدين إلا بها ، وإيتاء الزكاة التي هي برهان الإيمان ، وبها تحصل المواساة للفقراء والمساكين ، ولهذا قال :
{ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } بأركانها ، وشروطها ، ومكملاتها ، { وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا } أي : خالصا لوجه الله ، من نية صادقة ، وتثبيت من النفس ، ومال طيب ، ويدخل في هذا ، الصدقة الواجبة ؟ والمستحبة ، ثم حث على عموم الخير وأفعاله فقال : { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا } الحسنة بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضعاف كثيرة .
وليعلم أن مثقال ذرة من الخير في هذه الدار ، يقابله أضعاف أضعاف الدنيا ، وما عليها في دار النعيم المقيم ، من اللذات والشهوات ، وأن الخير والبر في هذه الدنيا ، مادة الخير والبر في دار القرار ، وبذره وأصله وأساسه ، فواأسفاه على أوقات مضت في الغفلات ، وواحسرتاه على أزمان تقضت بغير الأعمال الصالحات ، وواغوثاه من قلوب لم يؤثر فيها وعظ بارئها ، ولم ينجع فيها تشويق من هو أرحم بها منها{[1272]} ، فلك اللهم الحمد ، وإليك المشتكى ، وبك المستغاث ، ولا حول ولا قوة إلا بك .
{ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وفي الأمر بالاستغفار بعد الحث على أفعال الطاعة والخير ، فائدة كبيرة ، وذلك أن العبد ما يخلو من التقصير فيما أمر به ، إما أن لا يفعله أصلا أو يفعله على وجه ناقص ، فأمر بترقيع ذلك بالاستغفار ، فإن العبد يذنب آناء الليل والنهار ، فمتى لم يتغمده الله برحمته ومغفرته ، فإنه هالك .
تم تفسير سورة المزمل{[1273]}
والآن يجيء شطر السورة الثاني في آية واحدة طويلة ، نزلت بعد مطلع السورة بعام على أرجح الأقوال :
إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه ، وطائفة من الذين معك . والله يقدر الليل والنهار . علم أن لن تحصوه فتاب عليكم ، فاقرأوا ما تيسر من القرآن . علم أن سيكون منكم مرضى . وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله . فاقرأوا ما تيسر منه ، وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، وأقرضوا الله قرضا حسنا ، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا ، واستغفروا الله ، إن الله غفور رحيم . .
إنها لمسة التخفيف الندية ، تمسح على التعب والنصب والمشقة . ودعوة التيسير الإلهي على النبي والمؤمنين . وقد علم الله منه ومنهم خلوصهم له . وقد انتفخت أقدامهم من القيام الطويل للصلاة بقدر من القرآن كبير . وما كان الله يريد لنبيه أن يشقى بهذا القرآن وبالقيام . إنما كان يريد أن يعده للأمر العظيم الذي سيواجهه طوال ما بقي له من الحياة . هو والمجموعة القليلة من المؤمنين الذين قاموا معه .
وفي الحديث مودة وتطمين : ( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك ) . . إنه رآك ! إن قيامك وصلاتك أنت وطائفة من الذين معك قبلت في ميزان الله . . إن ربك يعلم أنك وهم تجافت جنوبكم عن المضاجع ؛ وتركت دفء الفراش في الليلة القارسة ، ولم تسمع نداء المضاجع المغري وسمعت نداء الله . . إن ربك يعطف عليك ويريد أن يخفف عنك وعن أصحابك . . ( والله يقدر الليل والنهار ) . . فيطيل من هذا ويقصر من ذاك . فيطول الليل ويقصر . وأنت ومن معك ماضون تقومون أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه . وهو يعلم ضعفكم عن الموالاة . وهو لا يريد أن يعنتكم ولا أن يشق عليكم . إنما يريد لكم الزاد وقد تزودتم فخففوا عن أنفسكم ، وخذوا الأمر هينا : فاقرؤوا ما تيسر من القرآن . . في قيام الليل بلا مشقة ولا عنت . . وهناك - في علم الله - أمور تنتظركم تستنفذ الجهد والطاقة ، ويشق معها القيام الطويل : ( علم أن سيكون منكم مرضى ) " يصعب عليهم هذا القيام " ( وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله ) . . في طلب الرزق والكد فيه ، وهو ضرورة من ضرورات الحياة . والله لا يريد أن تدعوا أمور حياتكم وتنقطعوا لعبادة الشعائر انقطاع الرهبان ! ( وآخرون يقاتلون في سبيل الله ) . . فقد علم الله أن سيأذن لكم في الإنتصار من ظلمكم بالقتال ، ولإقامة راية للإسلام في الأرض يخشاها البغاة ! فخففوا إذن على أنفسكم ( فاقرأوا ما تيسر منه )بلا عسر ولا مشقة ولا إجهاد . . واستقيموا على فرائض الدين : ( وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) . . وتصدقوا بعد ذلك قرضا لله يبقى لكم خيره . . ( وأقرضوا الله قرضا حسنا ، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا ) . . واتجهوا إلى الله مستغفرين عن تقصيركم . فالإنسان يقصر ويخطئ مهما جد وتحرى الصواب : ( واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ) . .
إنها لمسة الرحمة والود والتيسير والطمأنينة تجيء بعد عام من الدعوة إلى القيام ! ولقد خفف الله عن المسلمين ، فجعل قيام الليل لهم تطوعا لا فريضة . أما رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] فقد مضى على نهجه مع ربه ، لا يقل قيامه عن ثلث الليل ، يناجي ربه ، في خلوة من الليل وهدأة ، ويستمد من هذه الحضرة زاد الحياة وزاد الجهاد . على أن قلبه ما كان ينام وإن نامت عيناه . فقد كان قلبه [ صلى الله عليه وسلم ] دائما مشغولا بذكر الله ، متبتلا لمولاه . وقد فرغ قلبه من كل شيء إلا من ربه . على ثقل ما يحمل على عاتقه ، وعلى مشقة ما يعاني من الأعباء الثقال . .
إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه استعار الأدنى للأقل لأن الأقرب إلى الشيء أقل بعدا منه وقرأ ابن كثير والكوفيون ونصفه وثلثه بالنصب عطفا على أدنى وطائفة من الذين معك ويقوم ذلك جماعة من أصحابك والله يقدر الليل والنهار لا يعلم مقادير ساعاتهما كما هي إلا الله تعالى فإن تقديم اسمه مبتدأ مبنيا عليه يقدر يشعر بالاختصاص ويؤيده قوله علم أن لن تحصوه أي لن تحصوا تقدير الأوقات ولن تستطيعوا ضبط الساعات فتاب عليكم بالترخيص في ترك القيام المقدر ورفع التبعة فيه كما رفع التبعة عن التائب فاقرؤوا ما تيسر من القرآن فصلوا ما تيسر عليكم من صلاة الليل عبر عن الصلاة بالقرآن كما عبر عنها بسائر أركانها قيل كان التهجد واجبا على التخيير المذكور فعسر عليهم القيام به فنسخ به ثم نسخ هذا بالصلوات الخمس أو فاقرؤوا القرآن بعينه كيفما تيسر عليكم علم أن سيكون منكم مرضى استئناف يبين حكمة أخرى مقتضية الترخيص والتخفيف ولذلك كرر الحكم مرتبا عليه وقال وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله والضرب في الأرض ابتغاء للفضل المسافرة للتجارة وتحصيل العلم وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة المفروضة وآتو الزكاة الواجبة وأقرضوا الله قرضا حسنا يريد به الأمر في سائر الانفاقات في سبل الخيرات أو بأداء الزكاة على أحسن وجه والترغيب فيه بوعد العوض كما صرح به في قوله وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا من الذي تؤخرونه إلى الوصية عند الموت أو من متاع الدنيا و خيرا ثاني مفعولي تجدوه وهو تأكيد أو فصل لأن أفعل من كالمعرفة ولذلك يمتنع من حرف التعريف وقرئ هو خير على الابتداء والخبر واستغفروا الله في مجامع أحوالكم فإن الإنسان لا يخلو من تفريط إن الله غفور رحيم .
وقوله تعالى : { إن ربك يعلم } الآية نزلت تخفيفاً لما كان استمر استعماله من قيام الليل إما على الوجوب أو على الندب حسب الخلاف الذي ذكرناه ، ومعنى الآية : أن الله تعالى يعلم أنك تقوم أنت وغيرك من أمتك قياماً مختلفاً فيه ، مرة يكثر ومرة يقل ، ومرة أدنى من الثلثين ، ومرة أدنى من الثلث ، وذلك لعدم تحصيل البشر لمقادير الزمن مع عدم النوم ، وتقدير الزمان حقيقة إنما هو لله تعالى ، وأما البشر فلا يحصي ذلك فتاب الله عليهم ، أي رجع بهم من الثقل إلى الجنة وأمرهم بقراءة { ما تيسر } ، ونحو هذا يعطي عبارة الفراء ومنذر فإنهما قالا { تحصوه } تحفظوه ، وهذا التأويل هو على قراءة من قرأ «ونصفِه وثلثِ » بالخفض عطفاً على الثلثين ، وهي قراءة أبي عمرو ونافع وابن عامر . وأما من قرأ «ونصفَه وثلثَه » بالنصب عطفاً على { أدنى } وهي قراءة باقي السبعة ، فالمعنى عنده آخر ، وذلك أن الله تعالى قرر أنهم يقدرون الزمان على نحو ما أمر به في قوله { نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه } [ المزمل : 3-4 ] ، فلم يبق إلا أن يكون قوله { لن تحصوه } [ بمعنى ]{[11402]} لن تستطيعوا قيامه لكثرته وشدته فخفف الله عنكم فضلاً منه لا لقلة جهلهم بالتقدير وإحصاء الوقت ، ونحو هذا تعطي عبارة الحسن وابن جبير { تحصوه } تطيعوه ، وقرأ جمهور القراء والناس «وثلُثه » بضم اللام ، وقرأ ابن كثير في رواية شبل عنه : «وثلْثه » بسكون اللام . وقوله تعالى : { فاقرأوا ما تيسر من القرآن } إباحة ، هذا قول الجمهور ، وقال ابن جبير وجماعة هو فرض لا بد منه ولو خمسين آية ، وقال الحسن وابن سيرين قيام الليل فرض ، ولو قدر حلب شاة ، إلا أن الحسن قال : من قرأ مائة آية لم يحاجه القرآن ، واستحسن هذا جماعة من العلماء ، قال بعضهم : والركعتان بعد العتمة مع الوتر مدخلتان في حكم امتثال هذا الأمر ، ومن زاد زاده الله ثواباً . و { أن } في قوله تعالى : { علم أن } مخففة من الثقيلة . والتقدير أنه يكون ، فجاءت السين عوضاً من المحذوف ، وكذلك جاءت لا في قول أبي محجن : [ الطويل ]
ولا تدفنني بالفلاة فإنني . . . أخاف إذا ما مت أن لا أذوقها{[11403]}
والضرب في الأرض : هو السفر للتجارة ، وضرب الأرض هو المشي للتبرز والغائط{[11404]} .
فذكر الله تعالى أعذار بني آدم التي هي حائلة بينهم وبين قيام الليل وهي المرض والسفر في تجارة أو غزو ، فخفف عنه القيام لها . وفي هذه الآية فضيلة الضرب في الأرض بل تجارة وسوق لها مع سفر الجهاد ، وقال عبد الله بن عمر : أحب الموت إليَّ بعد القتل في سبيل الله أن أموت بين شعبتي رحلي{[11405]} أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله ، ثم كرر الأمر . بقراءة ما تيسر منه تأكيداً و { الصلاة } و { الزكاة } هما المفروضتان ، ومن قال إن القيام بالليل غير واجب قال معنى الآية خذوا من هذا الثقل بما تيسر وحافظوا على فرائضكم ، ومن قال إن شيئاً من القيام واجب قال : قرنه الله بالفرائض لأنه فرض . وإقراض الله تعالى : هو إسلاف العمل الصالح عنده . وقرأ جمهور الناس «هو خيراً » على أن يكون هو فصلاً ، وقرأ محمد بن السميفع وأبو السمال «هو خيرُ » بالرفع على أن يكون { هو } ابتداء ، و «خير » خبره والجملة تسد مسد المفعول الثاني ل { تجدوه } . ثم أمر تعالى بالاستغفار وأوجب لنفسه صفة الغفران لا إله غيره ، قال بعض العلماء فالاستغفار بعد الصلاة مستنبط من هذه الآية ومن قوله تعالى : { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون }{[11406]} [ الذاريات : 17 ] .
قال القاضي أبو محمد : وعهدت أبي رحمه الله يستغفر إثر كل مكتوبة ثلاثاً بعقب السلام ويأثر{[11407]} في ذلك حديثاً ، فكأن هذا الاستغفار من التقصير وتفلت الفكر أثناء الصلاة ، وكان السلف الصالح يصلون إلى طلوع الفجر ثم يجلسون للاستغفار إلى صلاة الصبح .
نجز تفسير سورة «المزمل » بحمد الله وعونه وصلى الله على محمد وآله .
{ إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك ، والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرءوا ما تيسر من القرآ ، }
من هنا يبتدىء ما نزل من هذه السورة بالمدينة كما تقدم ذكره في أول السورة .
وصريح هذه الآية ينادي على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل قبل نزول الآية وأن طائفة من أصحابه كانوا يقومون عملاً بالأمر الذي في أول السورة من قوله : { قم الليل إلاّ قليلاً } الآية [ المزمل : 2 ] ، فتعين أن هذه الآية نزلت للتخفيف عنهم جميعاً لقوله فيها : { فتاب عليكم } فهي ناسخة للأمر الذي في أول السورة .
واختلف السلف في وقت نزولها ومكانه وفي نسْبة مقتضاها من مقتضى الآية التي قبلها . والمشهور الموثوق به أن صدر السورة نزل بمكة .
ولا يغتر بما رواه الطبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمان عن عائشة مما يوهم أن صدر السورة نزل بالمدينة . ومثلُه ما روي عن النخعي في التزمل بمرط لعائشة .
ولا ينبغي أن يطال القول في أنَّ القيام الذي شُرع في صدر السورة كان قياماً واجباً على النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، وأن قيام من قام من المسلمين معه بمكة إنما كان تأسياً به وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليه ولكن رأت عائشة أن فرض الصلوات الخمس نسَخ وجوب قيام الليل ، وهي تريد أن قيام الليل كان فرضاً على المسلمين ، وهو تأويل ، كما لا ينبغي أن يختلف في أن أول ما أوجب الله على الأمة هو الصلوات الخمس التي فرضت ليلة المعراج وأنها لم يكن قبلها وجوب صلاة على الأمة ولو كان لجَرى ذكر تعويضه بالصلوات الخمس في حديث المعراج ، وأن جوب الخمس على النبي صلى الله عليه وسلم مثل وجوبها على المسلمين . وهذا قول ابن عباس لأنه قال : إن قيام الليل لم ينسخه إلاّ آية : { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل } الآية ، ولا أن يختلف في أن فرض الصلوات الخمس لم ينسخ فرض القيام على النبي صلى الله عليه وسلم سوى أنه نسخ استيعاب نصف الليل أو دونه بقليل فنسخه { فاقرءوا ما تيسر من القرآن } .
وقد بين ذلك حديث ابن عباس ليلةَ بات في بيت خالته ميمونة أم المؤمنين قال فيه : « نام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله حتى إذا كان نصف الليل أو قبله بقليل أو بعدَه بقليل استيقظ رسول الله » ثم وصف وُضوءه وأنه صلى ثلاث عشرة ركعة ثم نام حتى جاءه المنادي لصلاة الصبح . وابن عباس يومئذٍ غلام فيكون ذلك في حدود سنة سبع أو ثمان من الهجرة .
ولم ينقل أن المسلمين كانوا يقومون معه إلاّ حين احتجز موضعاً من المسجد لقيامه في ليالي رمضان فتسامع أصحابه به فجعلوا يَنْسِلون إلى المسجد ليصلّوا بصلاة نبيئهم صلى الله عليه وسلم حتى احتبس عنهم في إحدى الليالي وقال لهم : " لقد خشيت أن تفرض عليكم " وذلك بالمدينة وعائشة عنده كما تقدم في أول السورة .
وهو صريح في أن القيام الذي قاموه مع الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن فرضاً عليهم وأنهم لم يدوموا عليه وفي أنه ليس شيء من قيام الليل بواجب على عموم المسلمين وإلاّ لما كان لخشية أن يفرض عليهم موقع لأنه لو قُدر أن بعض قيام الليل كان مفروضاً لكان قيامهم مع النبي صلى الله عليه وسلم أداء لذلك المفروض ، وقد عضد ذلك حديث ابن عمر « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحفصة وقد قصَّت عليه رؤيا رآها عبد الله بن عمر أن عبد الله رجل صالح لو كان يقوم في الليل » .
وافتتاح الكلام ب { إن ربك يعلم أنك تقوم } يشعر بالثناء عليه لوفائه بحق القيام الذي أُمر به وأنه كان يبسط إليه ويهتم به ثم يقتصر على القدرِ المعين فيه النصففِ أو أنقصَ منه قليلاً أو زائدٍ عليه بل أخذ بالأقصى وذلك ما يقرب من ثُلثي الليل كما هو شأن أولي العزم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : { فلما قضى موسى الأجل } [ القصص : 29 ] أنه قضى أقصَى الأجلين وهو العشر السنون .
وقد جاء في الحديث : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تورمت قدماه "
وتأكيد الخبر ب { إِنَّ } للاهتمام به ، وهو كناية عن أنه أرضى ربّه بذلك وتوطئة للتخفيف الذي سيذكر في قوله : { فتاب عليكم } ليعلم أنه تخفيف رحمة وكرامة ولإفراغ بعض الوقت من النهار للعمل والجهاد .
ولم تزل تكثر بعد الهجرة أشغال النبي صلى الله عليه وسلم بتدبير مصالح المسلمين وحماية المدينة وتجهيز الجيوش ونحو ذلك ، فلم تبق في نهاره من السعة ما كان له فيه أيامَ مقامه بمكة ، فظهرت حكمة الله في التخفيف عن رسوله صلى الله عليه وسلم من قيام الليل الواجِب منه والرغيبةِ .
وفي حديث علي بن أبي طالب " أنه سئل عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى منزله فقال : كان إذا أوَى إلى منزله جزَّأ دخوله ثلاثة أجزاء : جُزءاً لله ، وجزءاً لأهله ، وجزءاً لنفسه ، ثم جزَّأ جزأه بينه وبين الناس فيرد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم شيئاً فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما يصلحهم والأمةَ من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي لهم " .
وإيثار المضارع في قوله : { يعلم } للدلالة على استمرار ذلك العلم وتجدده وذلك إيذان بأنه بمحل الرضى منه .
وفي ضده قوله : { قد يعلم الله المعوقين منكم } [ الأحزاب : 18 ] لأنه في معرض التوبيخ ، أي لم يزل عالماً بذلك حيناً فحيناً لا يخفى عليه منه حصة .
و { أدْنى } أصله أقرب ، من الدنُوّ ، استعير للأَقَلّ لأن المسافة التي بين الشيء والأدنى منه قليلة ، وكذلك يستعار الأبعد للأكثر .
وهو منصوب على الظرفيّة لفعل { تقوم } ، أي تقوم في زمان يقدر أقل من ثلثي الليل وذلك ما يزيد على نصف الليل وهو ما اقتضاه قوله تعالى : { أو زد عليه } [ المزمل : 4 ] .
وقرأ الجمهور : { ثُلثي } بضم اللام على الأصل . وقرأه هشام عن ابن عامر بسكون اللام على التخفيف لأنه عرض له بعض الثقل بسبب التثنية .
وقرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب { ونصفَه وثلثَه } بخفضهما عطفاً على { ثلثي الليل } ، أي أدنى من نصفه وأدنى من ثلثه .
وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي وخلف بنصب { ونصفه وثلثه } على أنهما منصوبان على المفعول ل { تقومُ } ، أي تقوم ثلثي الليل ، وتقوم نصف الليل ، وتقوم ثلثَ الليل ، بحيث لا ينقص عن النصف وعن الثلث . وهذه أحوال مختلفة في قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل تابعة لاختلاف أحوال الليالي والأيام في طول بعضها وقصر بعض وكلها داخلة تحت التخيير الذي خيره الله في قوله { قم الليل إلاّ قليلاً } [ المزمل : 2 ] إلى قوله : { أو زد عليه } [ المزمل : 4 ] .
وبه تظهر مناسبة تعقيب هذه الجملة بالجملة المعترضة ، وهي جملة { والله يقدر الليل والنهار } أي قد علمها الله كلها وأنبأه بها . فلا يختلف المقصود باختلاف القراءات . فمن العجاب قول الفرّاء أن النصب أشبه بالصواب .
و { طائفة } عطف على اسم { إنَّ } بالرفع وهو وجه جائز إذا كان بعدَ ذكرِ خبرِ { إنّ } لأنه يقدر رفعه حينئذٍ على الاستئناف كما في قوله تعالى : { أن الله بريء من المشركين ورسوله } [ التوبة : 3 ] . وهو من اللطائف إذا كان اتصاف الاسم والمعطوف بالخبر مختلفاً فإن بين قيام النبي صلى الله عليه وسلم وقيام الطائفة التي معه تفاوتاً في الحكم والمقدار ، وكذلك براءة الله من المشركين وبراءة رسوله . فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم ويقرأ عليهم القرآن ويعاملهم ، وأما الله فغاضب عليهم ولاَعنُهم . وهذا وجه العدول عن أن يقول : إنَّ الله يعلم أنكم تقومون . إلى قوله : { أنك تقوم } ثم قوله : { وطائفة } الخ .
ووُصف { طائفة } بأنهم ( من الذين معه ) ، فإن كان المراد بالمعية المعية الحقيقية ، أي المصاحبة في عمل مما سيق له الكلام . أي المصاحبين لك في قيام الليل ، لم يكن في تفسيره تعيين لناس بأعيانهم ، ففي حديث عائشة في « صحيح البخاري » « أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبح قال : قد رأيتُ الذي صنعتم ولم يمنعني من الخروج إليكم إلاّ أني خشِيت أن تُفرض عليكم ، وذلك في رمضان » .
وإن كانت المعية معية مجازية وهي الانتساب والصحبة والموافقة فقد عَدَدْنا منهم : عبدَ الله بن مسعود ، وعبد الله بن عَمْرو ، وسلمان الفارسي وأبا الدرداء ، وزينبَ بنتَ جحش ، وعبدَ الله بن عُمَرَ ، والحَولاء بنتَ تُوَيْت الأسدية ، فهؤلاء ورد ذكرهم مفرقاً في أحاديث التهجد من « صحيح البخاري » .
واعلم أن صدر هذه الآية إيماء إلى الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم في وفائه بقيام الليل حق الوفاء وعلى الطائفة الذين تابعوه في ذلك .
فالخبر بأن الله يعلم أنك تقوم مراد به الكناية عن الرضى عنهم فيما فعلوا .
والمقصود : التمهيد لقوله : { علم أن لن تحصوه } إلى آخر الآية .
ولأجل هذا الاعتبار أعيد فعل { عَلِم } في جملة { علم أن سيكون منكم مرضى } الخ ولم يقل : وأن سيكون منكم مرضى بالعطف .
وجملة { والله يقدر الليل والنهار } معترضة بين جملتي { إن ربّك يعلم أنك تقوم } وجملة { علم أن لن تحصوه } وقد علمت مناسبة اعتراضها آنفاً .
وجملة { علم أن لن تحصوه } يجوز أن تكون خبراً ثانياً عن { إنَّ } بعد الخبر في قوله : { يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل } الخ .
ويجوز أن تكون استئنافاً بيانياً لما ينشأ عن جملة { إن ربّك يعلم أنك تقوم } من ترقب السامع لمعرفة ما مُهّد له بتلك الجملة ، فبعد أن شكرهم على عملهم خفف عنهم منه .
والضمير المنصوب في { تحصوه } عائد إلى القيام المستفاد من { أنك تقوم .
والإِحصاء حقيقته : معرفة عدد شيء معدود مشتق من اسم الحصى جمع حصاة لأنهم كانوا إذا عدّوا شيئاً كثيراً جعلوا لكل واحد حصاة وهو هنا مستعار للإِطاقة . شُبهت الأفعال الكثيرة من ركوع وسجود وقراءة في قيام الليل ، بالأشياء المعدودة ، وبهذا فسر الحسن وسفيان ، ومنه قوله في الحديث استقيموا ولن تُحصوا أي ولن تطيقوا تمام الاستقامة ، أي فخذوا منها بقدر الطاقة .
و{ أنْ } مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف وخبره الجملة ، وقد وقع الفصل بين { أنْ } وخبرها بحرف النفي لكون الخبر فعلاً غير دعاء ولا جامد حسب المتبع في الاستعمال الفصيح .
و{ أنْ } وجملتها سادة مسد مفعولي { علم } إذ تقديره علم عَدَم إحصائِكُمُوه واقعاً .
وفرع على ذلك { فتاب عليكم } وفعل { تاب } مستعار لعدم المؤاخذة قبل حصول التقصير لأن التقصير متوقع فشابه الحاصل فعبر عن عدم التكليف بما يتوقع التقصير فيه ، بفعل { تاب } المفيد رفع المؤاخذة بالذنب بعد حصوله .
والوجه أن يكون الخطاب في قوله : { تحصوه } وما بعده موجهاً إلى المسلمين الذين كانوا يقومون الليل : إِما على طريقة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب بعد قوله : { وطائفة من الذين معك ، } وإِما على طريقة العام المراد به الخصوص بقرينة أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُظن تعذر الإِحصاء عليه ، وبقرينة قوله : { أن سيكونُ منكم مرضى } الخ .
ومعنى { فاقرأوا ما تيسر من القرآن } فصلُّوا ما تيسر لكم ، ولما كانت الصلاة لا تخلو عن قراءة القرآن أُتبع ذلك بقوله هنا : { فاقرأوا ما تيسر من القرآن } ، أي صلوا كقوله تعالى : { وقرآنَ الفجر } [ الإسراء : 78 ] أي صلاة الفجر وفي الكناية عن الصلاة بالقرآن جمع بين الترغيب في القيام والترغيب في تلاوة القرآن فيه بطريقة الإِيجاز .
والمراد القرآن الذي كان نزل قبل هذه الآية المدنيّة وهو شيء كثير من القرآن المكيُّ كله وشيء من المدني ، وليس مثل قوله في صدر السورة { ورتل القرءان ترتيلاً } [ المزمل : 4 ] كما علمت هنالك .
وقوله : { ما تيسر من القرءان } أي ما تيسر لكم من صلاة الليل فلا دلالة في هذه الآية على مقدار ما يجزىء من القراءة في الصلاة إذ ليس سياقها في هذا المهيع ، ولئن سلمنا ، فإن ما تيسر مجمل وقد بينه قول النبي صلى الله عليه وسلم " لا صَلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " ، وأما السورة مع الفاتحة فإنه لم يرو عنه أنه قرأ في الصلاة أقلَّ من سورة ، وهو الواجب عند جمهور الفقهاء ، فيكره أن يَقرأ المصلي بعضَ سورة في الفريضة . ويجوز في القيام بالقرآن في الليل وفي قيام رمضان ، وعند الضرورة ، ففي « الصحيح » « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فأخذته بُحَّة فركع » ، أي في أثناء السّورة .
وقال أبو حنيفة وأحمد في رواية عنه : تجزىء قراءة آية من القرآن ولو كانت قصيرة ومثَّله الحنفية بقوله تعالى : { مُدْهامَّتَان } [ الرحمن : 64 ] ولا تتعين فاتحة الكتاب وخالفه صاحباه في الأمرين .
وتعيين من تجب عليه القراءة من منفرد وإمام ومأموم مُبين في كتب الفقه .
وفعلُ ( تاب ) إذا أريد به قبول توبة التائب عدي بحرف ( على ) لتضمينه معنى مَنَّ وإذا كان بمعنى الرجوع عن الذنب والندم منه عدي بما يناسب .
وقد نسخت هذه الآية تحديدَ مدة قيام الليل بنصفه أو أزيد أو أقل من ثلثه ، وأصحاب التحديد بالمقدار المتيسر من غير ضبط ، أما حكم ذلك القيام فهو على ما تقدم شرحه .
{ علم أن سيكون منكم مرضى وءاخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وءاخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرءوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضا حسنا } .
هذه الجملة بدل اشتمال من جملة { عَلِمَ أنْ لَنْ تُحصوه } ، وهذا تخفيف آخر لأجل أحوال أخرى اقتضت التخفيف .
وهذه حكمة أخرى لنسخ تحديد الوقت في قيام الليل وهي مراعاة أحوال طرأت على المسلمين من ضروب ما تدعو إليه حالة الجماعة الإِسلامية . وذكر من ذلك ثلاثة أضرب هي أصول الأعذار :
الضرب الأول : أعذار اختلال الصحة وقد شملها قوله : { أن سيكون منكم مرضى .
الضرب الثاني : الأشغال التي تدعو إليها ضرورة العيش من تجارة وصناعة وحراثة وغير ذلك ، وقد أشار إليها قوله : { وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله } وفضل الله هو الرزق .
الضرب الثالث : أعمال لمصالح الأمة وأشار إليها قوله : { وآخرون يقاتلون في سبيل الله } ودخل في ذلك حراسة الثغور والرِباط بها ، وتدبير الجيوش ، وما يرجع إلى نشر دعوة الإِسلام من إيفاد الوفود وبعث السفراء .
وهذا كله من شؤون الأمة على الإِجمال فيدخل في بعضها النبي صلى الله عليه وسلم كما في القتال في سبيل الله ، والمرض ففي الحديث : اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين .
وإذا كانت هذه الآية مما نزل بمكة ففيها بشارة بأن أمر المسلمين صائر إلى استقلال وقترة على أعدائهم فيقاتلون في سبيل الله وإن كانت مدنية فهو عذر لهم بما ابتدأوا فيه من السرايا والغزوات .
وقد كان بعض الصحابة يتأول من هذه الآية فضيلة التجارة والسفر للتجر حيث سوى الله بين المجاهدين والمكتسبين المال الحلال ، يعني أن الله ما ذكر هذين السببين لنسخ تحديد القيام إلاّ تنويهاً بهما لأن في غيرهما من الأعذار ما هو أشبه بالمرض ، ودقائق القرآن ولطائفه لا تنحصر .
روي عن ابن مسعود أنه قال « أيما رجل جلب شيئاً إلى مدينة من مدائن المسلمين محتسباً فباعه بسعر يومه كان له عند الله منزلة الشهداء ، وقرأ { وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله } » .
وعن ابن عمر : « ما خلق الله موتة بعد الموت في سبيل الله أحب إليَّ من أن أموت بين شُعْبَتَي رَحْلي أبتغي من فضل الله ضارباً في الأرض » .
فإذا كانت هذه الآية مما نزل بمكة ففيها بشارة بأن أمر المسلمين صائر إلى قترة على عدوهم وإن كانت مدنية فهي عذر لهم بما عرض لهم .
ومعنى { يضربون في الأرض } يسيرون في الأرض .
وحقيقة الضرب : قرع جسم بجسم آخر ، وسُمّي السير في الأرض ضرباً في الأرض لتضمين فعل { يضربون } معنى يسيرون فإن السير ضرب للأرض بالرجلين لكنه تنوسي منه معنى الضرب وأريد المشي فلذلك عدي بحرف { في } لأن الأرض ظرف للسير كما قال تعالى : { فسيروا في الأرض } [ آل عمران : 137 ] وقد تقدم عند قوله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } في سورة النساء ( 101 ) .
والابتغاء من فضل الله طلب الرزق قال تعالى : { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربّكم } [ البقرة : 198 ] أي التجارة في مدة الحج ، فقوله تعالى : { يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله } مراد بالضرب في الأرض فيه السفر للتجارة لأن السير في الأسفار يكون في الليل كثيراً ويكون في النهار فيحتاج المسافر للنوم في النهار .
وفُرع عليه مثل ما فرع على الذي قبله فقال : { فاقرأوا ما تيسر منه } أي من القرآن .
وقد نيط مقدار القيام بالتيسير على جميع المسلمين وإن اختلفت الأعذار .
وهذه الآية اقتضت رفع وجوب قيام الليل عن المسلمين إن كان قد وجب عليهم من قبل على أحد الاحتمالين ، أو بيانَ لم يوجب عليهم وكانوا قد التزموه فبين لهم أن ما التزموه من التأسّي بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك غير لازم لهم .
وعلل عدم وجوبه عليهم بأن الأمة يكثر فيها أصحاب الأعذار التي يشق معها قيام الليل فلم يجعله الله واجباً عليهم أو رفَع وجوبه . ولولا اعتبار المظنة العامة لأبقِيَ حكمُ القيام ورُخص لأصحاب العذر في مدة العذر فقط فتبين أن هذا تعليل الحكم الشرعي بالمظنة والحكم هنا عدمي ، أي عدم الإِيجاب فهو نظير قصر الصلاة في السفر على قول عائشة أم المؤمنين : « إن الصلاة فرضت ركعتين ثم زيد في ثلاث من الصلوات في الحضر وأبقيت صلاة السفر » ، وعلة بقاء الركعتين هو مظنة المشقة في السفر .
وأوجب الترخص في قيام الليل أنه لم يكن ركناً من أركان الإِسلام فلم تكن المصلحة الدينية قوية فيه .
وأما حكم القيام فهو ما دلّ عليه قوله : { قم الليل إلاّ قليلاً } [ المزمل : 2 ] وما دلت عليه أدلة التحريض عليه من السنة . وقد مضى ذلك كله . فهذه الآية صالحة لأن تكون أصلاً للتعليل بالمظنة وصالحة لأن تكون أصلاً تقاس عليه الرخص العامة التي تراعى فيها مشقة غالب الْأمة مثل رخصة بيع السلم دون الأحوال الفردية والجزئية .
وقوله : { وأقيموا الصلاة } تذكير بأن الصلوات الواجبة هي التي تحرصون على إقامتها وعدم التفريط فيها كما قال تعالى : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً } [ النساء : 103 ] .
وفي هذا التعقيب بعطف الأمر بإقامة الصلاة إيماء إلى أن في الصلوات الخمس ما يرفع التبعة عن المؤمنين وأن قيام الليل نافلة لهم وفيه خير كثير وقد تضافرت الآثار على هذا ما هو في كتب السنة .
وعطف { وءاتوا الزكاة } تتميم لأن الغالب أنه لم يَخلُ ذكر الصلاة من قرن الزكاة معها حتى استنبط أبو بكر رضي الله عنه من ذلك أن مانع الزكاة يقاتل عليها ، فقال لعمر رضي الله عنه « لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة » .
وإقراض الله هو الصدقات غير الواجبة ، شبه إعطاء الصدقة للفقير بقرض يُقرضه الله لأن الله وعد على الصدقة بالثواب الجزيل فشابه حالُ معطي الصدقة مستجيباً رغبة الله فيه بحال من أقرض مستقرضاً في أنه حقيق بأن يُرجع إليه ما أقرضه ، وذلك في الثواب الذي يُعطاه يوم الجزاء .
ووصف القرض بالحسن يفيد الصدقة المراد بها وجه الله تعالى والسالمة من المنّ والأذى ، والحُسن متفاوت .
والحَسن في كل نوع هو ما فيه الصفات المحمودة في ذلك النوع في بابه ، ويعرف المحمود من الصدقة من طريق الشرع بما وصفه القرآن في حسن الصدقات وما ورد في كلام النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك .
وقد تقدم في سورة البقرة ( 245 ) قوله : { من ذا الذي يُقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له ضعافاً كثيرة } وفي سورة التغابن ( 17 ) { إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفْه لكم } .
{ وَمَا تُقَدِّمُواْ لاَِنفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ الله هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً } .
تذييل لما سبق من الأمر في قوله : { فاقرأوا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسناً } ، فإن قوله : { من خير } يعم جميع فعل الخير .
وفي الكلام إيجازُ حَذْف . تقدير المحذوف : وافعلوا الخير وما تقدموا لأنفسكم منه تجدوه عند الله ، فاستغني عن المحذوف بذكر الجزاء على الخير .
و { ما } شرطية . ومعنى تقديم الخير : فعله في الحياة ، شُبِّه فعل الخير في مدة الحياة لرجاء الانتفاع بثوابه في الحياة الآخرة بتقديم العازم على السفر ثَقَلَه وأدوَاتِه وبعضَ أهله إلى المحل الذي يروم الانتهاء إليه ليجد ما ينتفع به وقت وصوله .
و { من خير } بيان لإِبهام { ما } الشرطية .
والخير : هو ما وصفه الدين بالحُسْن ووعد على فعله بالثواب .
ومعنى { تجدوه } تجدوا جزاءه وثوابه ، وهو الذي قصده فاعله ، فكأنه وجد نفس الذي قدَّمه ، وهذا استعمال كثير في القرآن والسنة أن يعبر عن عوض الشيء وجزائِه باسم المعوض عنه والمجازَى به ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يَكنز المال ولا يؤدي حقه « مُثِّل له يوم القيامة شُجاعاً أقْرَعَ يأخذ بلِهْزِمَتَيْه يقول : أنا مالك أنا كنزك » .
وضمير الغائب في { تجدوه } هو المفعول الأول ل ( تجدوا ) ومفعوله الثاني { خيراً } .
والضمير المنفصل الذي بينهما ضمير فعل ، وجاز وقوعه بين معرفة ونكرة خلافاً للمعروف في حقيقة ضمير الفصل من وجوب وقوعه بين معرفتين لأنَّ أفْعَلَ مِن كَذا ، أشبه المعرفة في أنه لا يجوز دخول حرف التعريف عليه .
و { خيراً } : اسم تفضيل ، أي خيراً مما تقدمونه إذ ليس المراد أنكم تجدونه من جنس الخير ، بل المراد مضاعفة الجزاء ، لما دل عليه قوله تعالى : { إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يُضاعفه لكم } [ التغابن : 17 ] وغير ذلك من كثير من الآيات .
وأفاد ضمير الفصل هنا مجرد التأكيد لتحقيقه .
وعُطف { وأعظمَ أجراً } على { خيراً } أو هو منسحب عليه تأكيد ضمير الفصل{[437]} .
وانتصب { أجراً } على أنه تمييز نسبة ل { أعظمَ } لأنه في معنى الفعل . فالتقدير : وأعظم أجره ، كما تقول : وجدته مُنبسطاً كفاً ، والمعنى : أن أجره خيرٌ وأعظمُ ممّا قدمتوه .
{ واستغفروا الله إن الله غفور رحيم }
يجوز أن تكون الواو للعطف فيكون معطوفاً على جملة { وما تقدموا لأنفسكم } الخ ، فيكون لها حكم التذييل إرشاداً لتدارك ما عسى أن يعرض من التفريط في بعض ما أمره الله بتقديمه من خير فإن ذلك يشمل الفرائض التي يقتضي التفريط في بعضها توبةً منه .
ويجوز أن تكون الواو للاستئناف وتكون الجملة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن الترخيص في ترك بعض القيام إرشاداً من الله لما يسُدّ مسدّ قيام الليل الذي يعرض تركه بأن يستغفر المسلم ربّه إذا انتبه من أجزاء الليل ، وهو مشمول لقوله تعالى : { وبالأسحار هم يستغفرون } [ الذاريات : 18 ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم « ينزل ربّنا كل ليلة{[438]} إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فأستجيبَ له ، من يسألني فأعْطيَه ، من يستغفرني فأغفرَ له » . وقال : « من تَعَارَّ من الليل{[439]} فقال : لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلاّ الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلاّ بالله ثم قال اللهم اغفر لي أوْ دعا استجيب له » .
وجملة { إن الله غفور رحيم } تعليل للأمر بالاستغفار ، أي لأن الله كثير المغفرة شديد الرحمة . والمقصود من هذا التعليل الترغيبُ والتحريض على الاستغفار بأنه مرجوّ الإِجابة . وفي الإِتيان بالوصفين الدّالين على المبالغة في الصفة إيماء إلى الوعد بالإِجابة .