معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (8)

قوله تعالى : { ربنا لا تزغ قلوبنا } . أي ويقول الراسخون بالعلم ربنا لا تزغ قلوبنا : أي لا تملها عن الحق والهدى كما أزغت قلوب الذي في قلوبهم زيغ .

قوله تعالى : { بعد إذ هديتنا } . وفقتنا لدينك والإيمان بالمحكم والمتشابه من كتابك .

قوله تعالى : { وهب لنا من لدنك } . أعطنا من عندك .

قوله تعالى : { رحمة } . توثيقاً وتثبيتاً للذي نحن عليه من الإيمان والهدى ، وقال الضحاك تجاوزاً ومغفرة .

قوله تعالى : { إنك أنت الوهاب } .

أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي ، أنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي أنا أبو احمد ابن عدي الحافظ ، أنا أبو بكر بن عبد الرحمن بن القاسم القرشي يعرف بابن الرواس الكبير بدمشق ، أنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني ، أنا صدقة ، أنا عبد الرحمن بن زيد بن جابر ، حدثني بشر بن عبيد الله قال : سمعت أبا إدريس الخولاني يقول : حدثني النواس بن سمعان الكلابي قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن ، إذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإن شاء أن يزيغه أزاغه " .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك " والميزان بيد الرحمن يرفع قوماً ويضع آخرين إلى يوم القيامة .

أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، حدثنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا عبد الرحيم بن منيب ، أنا يزيد بن هارون ، أنا سعيد بن إياس الحميري ، عن غنيم بن قيس ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثل القلب كريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح ظهراً لبطن " .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (8)

ثم أخبر تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يدعون ويقولون { ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا } أي : لا تملها عن الحق جهلا وعنادا منا ، بل اجعلنا مستقيمين هادين مهتدين ، فثبتنا على هدايتك وعافنا مما{[154]}  ابتليت به الزائغين { وهب لنا من لدنك رحمة } أي : عظيمة توفقنا بها للخيرات وتعصمنا بها من المنكرات { إنك أنت الوهاب } أي : واسع العطايا والهبات ، كثير الإحسان الذي عم جودك جميع البريات .


[154]:- في الأصل: ممن، ولعل الصواب ما أثبت.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (8)

1

عندئذ تنطلق ألسنتهم وقلوبهم في دعاء خاشع وفي ابتهال منيب : أن يثبتهم على الحق ، وألا يزيغ قلوبهم بعد الهدى ، وأن يسبغ عليهم رحمته وفضله . . ويتذكرون يوم الجمع الذي لا ريب فيه ، والميعاد الذي لا خلف له :

( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا . وهب لنا من لدنك رحمة . إنك أنت الوهاب . ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه . إن الله لا يخلف الميعاد ) . .

هذا هو حال الراسخين في العلم مع ربهم ؛ وهو الحال اللائق بالإيمان ؛ المنبثق من الطمأنينة لقول الله ووعده ؛ والثقة بكلمته وعهده ؛ والمعرفة برحمته وفضله ؛ والإشفاق مع هذا من قضائه المحكم وقدره المغيب ؛ والتقوى والحساسية واليقظة التي يفرضها الإيمان على قلوب أهله ، فلا تغفل ولا تغتر ولا تنسى في ليل أو نهار . .

والقلب المؤمن يدرك قيمة الاهتداء بعد الضلال . قيمة الرؤية الواضحة بعد الغبش . قيمة الاستقامة على الدرب بعد الحيرة . قيمة الطمأنينة للحق بعد الأرجحة . قيمة التحرر من العبودية للعبيد بالعبودية لله وحده .

قيمة الاهتمامات الرفيعة الكبيرة بعد اللهو بالاهتمامات الصغيرة الحقيرة . . ويدرك أن الله منحه بالإيمان كل هذا الزاد . . ومن ثم يشفق من العودة إلى الضلال ، كما يشفق السائر في الدرب المستقيم المنير أن يعود إلى التخبط في المنعرجات المظلمة . وكما يشفق من ذاق نداوة الظلال أن يعود إلى الهجير القائظ والشواظ ! وفي بشاشة الإيمان حلاوة لا يدركها إلا من ذاق جفاف الإلحاد وشقاوته المريرة . وفي طمأنينة الإيمان حلاوة لا يدركها إلا من ذاق شقوة الشرود والضلال !

ومن ثم يتجه المؤمنون إلى ربهم بذلك الدعاء الخاشع :

( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ) . .

وينادون رحمة الله التي أدركتهم مرة بالهدى بعد الضلال ، ووهبتهم هذا العطاء الذي لا يعدله عطاء :

( وهب لنا من لدنك رحمة . إنك أنت الوهاب ) . .

وهم بوحي إيمانهم يعرفون أنهم لا يقدرون على شيء إلا بفضل الله ورحمته . وأنهم لا يملكون قلوبهم فهي في يد الله . . فيتجهون إليه بالدعاء أن يمدهم بالعون والنجاة .

عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : كان رسول الله [ ص ] كثيرا ما يدعو : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " قلت : يا رسول الله ، ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء . فقال : " ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن . إذا شاء أن يقيمه أقامه ، وإن شاء أن يزيغه أزاغه " . .

ومتى استشعر القلب المؤمن وقع المشيئة على هذا النحو لم يكن أمامه إلا أن يلتصق بركن الله في حرارة . وأن يتشبث بحماه في إصرار ، وأن يتجه إليه يناشده رحمته وفضله ، لاستبقاء الكنز الذي وهبه ، والعطاء الذي أولاه !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (8)

{ ربنا لا تزغ قلوبنا } من مقال الراسخين . وقيل : استئناف والمعنى لا تزغ قلوبنا عن نهج الحق إلى اتباع المتشابه بتأويل لا ترتضيه ، قال صلى الله عليه وسلم " قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن ، إن شاء أقامه على الحق وإن شاء أزاغه عنه " . وقيل : لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا . { بعد إذ هديتنا } إلى الحق والإيمان بالقسمين . من المحكم والمتشابه ، وبعد نصب على الظرف ، وإذ في موضع الجر بإضافته إليه . وقيل إنه بمعنى إن { وهب لنا من لدنك رحمة } تزلفنا إليك ونفوز بها عندك ، أو توفيقا للثبات على الحق أو مغفرة للذنوب . { إنك أنت الوهاب } لكل سؤال ، وفيه دليل على أن الهدى والضلال من الله وأنه متفضل بما ينعم على عباده لا يجب عليه شيء .