نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (8)

ولما علم بذلك أن الراسخين أيقنوا أنه من عند الله المستلزم لأنه لا عوج{[15045]} فيه أخبر أنهم أقبلوا على التضرع إليه في أن يثبتهم بعد هدايته ثم أن يرحمهم ببيان ما أشكل عليهم بقوله حاكياً عنهم وهو في الحقيقة تلقين منه لهم لطفاً بهم{[15046]} مقدماً ما ينبغي تقديمه من السؤال في تطهير القلب عما لا ينبغي على طلب تنويره بما{[15047]} ينبغي لأن إزالة المانع قبل{[15048]} إيجاد المقتضي عين الحكمة{[15049]} : { ربنا } أي المحسن إلينا{[15050]} { لا تزغ قلوبنا } أي عن الحق .

ولما كان صلاح القلب صلاح الجملة{[15051]} وفساده{[15052]} فسادها وكان{[15053]} ثبات الإنسان على سنن الاستقامة من غير عوج أصلاً مما لم يجر به سبحانه وتعالى عادته لغير المعصومين{[15054]} قال نازعاً{[15055]} الجار مسنداً الفعل إلى ضمير الجملة : { بعد إذ هديتنا } إليه . وقال الحرالي : ففي إلاحة معناه أن هذا الابتهال واقع من أولي الألباب ليترقوا من محلهم{[15056]} من التذكر إلى ما هو أعلى وأبطن انتهى . فلذلك قالوا : { وهب لنا من لدنك } أي أمرك الخاص بحضرتك القدسية ، الباطن عن غير خواصك { رحمة } أي فضلاً ومنحة منك ابتداء من غير سبب منا ، ونكرها تعظيماً بأن أيسر شيء منها يكفي الموهوب{[15057]} .

ولما {[15058]}لم يكن لغيره شيء{[15059]} أصلاً فكان{[15060]} كل عطاء من فضله قالوا وقال الحرالي : ولما كان الأمر اللدني ليس مما في{[15061]} فطر{[15062]} الخلق وجبلاتهم وإقامة حكمتهم ، وإنما هو موهبة من الله سبحانه وتعالى بحسب العناية ختم بقوله : { إنك أنت الوهاب * } وهي صيغة مبالغة من الوهب{[15063]} والهبة ، وهي العطية سماحاً من غير قصد من الموهوب{[15064]} انتهى .


[15045]:من ظ، وفي الأصل: حرج.
[15046]:من ظ، وفي الأصل: لهم.
[15047]:زيد بعده في ظ: لا.
[15048]:في ظ: مثل.
[15049]:في ظ: المحكمة.
[15050]:من ظ، وفي الأصل: إليها.
[15051]:زيد بين الحاجزين من ظ.
[15052]:من ظ، وفي الأصل: كانت.
[15053]:ن ظ، وفي الأصل: كانت.
[15054]:ي ظ: المقصومين ـ كذا بالقاف.
[15055]:ن ظ، وفي الأصل: بارعا.
[15056]:ن ظ، وفي الأصل: كلهم.
[15057]:ن ظ، وفي الأصل: للوهوب.
[15058]:ن ظ، وفي الأصل: لم تكن لغير حسيا.
[15059]:ن ظ، وفي الأصل: لم تكن لغير حسيا.
[15060]:في ظ، وفي الأصل: وكان.
[15061]:سقط من ظ.
[15062]:ن ظ، وفي الأصل: نظر.
[15063]:في ظ: الموهب.
[15064]:ن ظ، وفي الأصل: الموهب.