المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (8)

يحتمل أن تكون هذه الآية حكاية عن الراسخين في العلم ، أنهم يقولون هذا مع قولهم { آمنا به } [ آل عمران : 7 ] ويحتمل أن يكون المعنى منقطعاً من الأول لما ذكر أهل الزيغ وذكر نقيضهم ، وظهر{[2973]} ما بين الحالتين عقب ذلك بأن علم عبادة الدعاء إليه في أن لا يكونوا من الطائفة الذميمة التي ذكرت وهي أهل الزيغ ، وهذه الآية حجة على المعتزلة في قولهم ، إن الله لا يضل العباد ، ولو لم تكن الإزاغة من قبله لما جاز أن يدعي في دفع ما لا يجوز عليه فعله{[2974]} و { تزغ } معناه ، تمل قلوبنا عن الهدى والحق ، وقرأ أبو واقد ، والجراح{[2975]} «ولا تزغ قلوبُنا » بإسناد الفعل إلى القلوب ، وهذه أيضاً رغبة إلى الله تعالى . وقال أبو الفتح{[2976]} : ظاهر هذا ونحوه الرغبة إلى القلوب وإنما المسؤول الله تعالى ، وقوله الرغبة إلى القلوب غير متمكن{[2977]} ، ومعنى الآية على القراءتين ، أن لا يكن منك خلق الزيغ فيها فتزيغ هي . قال الزجاج : وقيل : إن معنى الآية لا تكلفنا عبادة ثقيلة تزيغ منها قلوبنا .

قال الفقيه الإمام : وهذا قول فيه التحفظ من خلق الله تعالى الزيغ والضلالة في قلب أحد من العباد ، و { من لدنك } معناه : من عندك ومن قبلك ، أن تكون تفضلاً لا عن سبب منا ولا عمل ، وفي هذا استسلام وتطارح ، والمراد هب لنا نعيماً صادراً عن الرحمة لأن الرحمة راجعة إلى صفات الذات فلا تتصور فيها الهبة .


[2973]:- في بعض النسخ: وذكر.
[2974]:- أول الزمخشري الآية فقال في معنى قوله تعالى: {لا تزغ قلوبنا}: أي لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا؛ أما أهل السنة فيرون أن كل هدى وزيغ مخلوق لله تعالى. وتفسير ابن عطية للآية يدل على أنه بعيد كل البعد عن الاعتزال.
[2975]:- لعله ابن واقد أبو مسلم (عبد الرحمن بن عبيد الله بن واقد) مقرئ معروف، أخذ القراءة عن حمزة بن القاسم الأحول والصباح بن دينار. (انظر ابن الجزري، غاية النهاية 1/381)؛ أما الجراح فلم أعثر عليه فيما لدي من مراجع؛ وفي تفسير القرطبي: وقرأ واقد الجراح (دون واو عطف).
[2976]:- هو عثمان بن جني اللغوي المشهور.
[2977]:- ما بين معقفين سقط من أكثر النسخ.