قوله تعالى : { لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا } : العامَّةُ على ضَمِّ حرفِ المضارعة من : أزاغ يُزيغ . و " قلوبَنا " مفعول به . وقرأ أبو بكر وابن فايد والجراح " لا تَزِغ قلوبُنا " بفتح التاء ورفع " قلوبنا " ، وقرأه بعضهم كذلك إلا أنه بالياء من تحت ، وعلى القراءتين فالقلوب فاعلٌ بالفعل المنهيِّ عنه ، والتذكير والتأنيث باعتبار تأنيثِ الجمعِ وتذكيرِه ، والنهيُ في اللفظ للقلوب ، وفي المعنى دعاءٌ لله تعالى ، أي : لا تُزِغْ قلوبَنا فَتَزيغَ ، فهو من باب " لا أُرَيَنَّك هَهنا " وقولِ النابغة :
لا أَعْرِفَنْ رَبْرَباً حُوراً مَدامِعُها *** *** . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قوله : { بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } " بعد " منصوبٌ ب " لا تُزِغْ " و " إذ " هنا خَرَجَتْ عن الظرفيةِ للإِضافةِ إليها ، وقد تقدَّم أنَّ تصرُّفَها قليلَ ، وإذا خرجت عن الظرفية فلا يتغَّيرُ حكمُها من لزومِ إضافتها إلى الجملة بعدها كما لم يتغير غيرُها من الظروف في هذا الحكمِ ، ألا ترى إلى قوله : { هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ } [ المائدة : 119 ] و { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ } [ الانفطار : 19 ] في قراءة من رفع " يوم " في الموضعين ، وقول الآخر :1170
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** . . . . على حينِ الكرامُ قليلُ
على حينِ مَنْ تَلْبَثْ عليه ذَنُوبُه *** *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
على حينِ عاتَبْتُ المشيبَ على الصِّبا *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ألا ليت أيامَ الصفاءِ جديدُ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كيف خرجَتْ هذه الظروفُ من النَّصبِ إلى الرفعِ والجرِّ والنصبِ ب " ليت " ومع ذلك هي مضافةٌ للجملِ التي بعدها .
قوله : { وَهَبْ } الهِبَةُ : العَطِيَّةُ ، حُذِفَتْ فاؤها لِما تقدَّم في " عِدة " ونحوِها ، كان حقُّ عينِ المضارع فيها كسرَ العين منه ، إلا أنَّ ذلك مَنَعه كونُ العينِ حرفَ حلق ، فالكسرةُ مقدرةٌ . فلذلك اعتُبِرت تلك الكسرةُ المقدرة ، فحُذِفَت لها الواو ، وهذا نحو : يَضَع ويَسَع لكونِ اللامِ حرفَ حلق . ويكون " هَبْ " فعلَ أمرِ بمعنى ظُنَّ ، فيتعدَّى لمفعولين كقوله :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** وإلاَّ فَهَبْنِي أمرَأً هالِكاً
وحينئذ لا تتصرَّفُ . ويقال أيضاً : " وَهَبَني اللهُ فداكَ " أي : جَعَلَني ، ولا تتصرَّفُ أيضاً عن الماضي بهذا المعهنى .
قوله : { مِن لَدُنْكَ } متعلق ب " هَبْ " ، ولَدُنْ : ظرف وهي لأولِ غايةِ زمانٍ أو مكان أو غيرهما من الذوات نحو : مِنْ لَدُن زيد ، فليست مرادفةً ل " عند " بل قد تكون بمعناها ، وبعضُهم يقيِّدها بظرف المكان ، وتُضاف لصريح الزمان ، قال :
تَنْتَهِضُ الرِّعْدة في ظُهَيْري *** من لَدُنِ الظُّهْرِ إلى العُصَيْرِ
ولا تُقْطَعُ عن الإِضافةَ بحالٍ ، وأكثرُ ما تضافُ إلى المفرداتِ ، وقد تُضَافُ إلى " أن " وصلتها لأنهما بتأويلِ مفردٍ قال :
وُلِيْتَ فلم تَقْطَعْ لدُنْ أَنْ وَليْتَنَا *** قرابةَ ذي قُرْبى ولا حَقَّ مُسْلِمِ
أي : لدنْ ولايتك إيانا ، وقد تُضَاف إلى الجملةِ الاسمية كقوله :
تَذَكَّرُ نُعْماه لَدُنْ أنتَ يافعٌ *** إلى أنتَ ذو فَوْدَيْنِ أبيضَ كالنسرِ
لَزِمْنا لَدُنْ سالَمْتُمونا وفاقَكم *** فلايكُ منكمْ للخِلافِ جُنوحُ
صريعُ غوانٍ رَاقَهُنَّ ورُقْنَه *** لدُنْ شَبَّ حتى شابَ سودَ الذوائبِ
وفيها لغتان : الإِعراب وهي لغةُ قيس . وبها قرأ أبو بكر عن عاصم : " مِنْ لَدُنهِ " بجر النون ، وقوله :
من لَدْنِ الظهرِ إلى العُصَيْرِ *** *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ولا تخلوا مِنْ " مِنْ " غالبا ، قاله ابن جني . ومِنْ غير الغالب ما تقدَّم من قوله " لَدُنْ أَنت يافع " " لَدُنْ سالمتمونا " . وإنْ وقع بعدها لفظُ " غدوة " خاصةً جاز نصبُها ورفعُها ، فالنصبُ على خبرِ كان أو التمييزِ ، والرفعُ على إضمار " كان " التامةِ ، ولولا هذا التقديرُ لَزم إفرادِ " لَدُنْ " عن الإِضافة ، وقد تقدَّم أنه لا يجوزُ ، فَمِنْ نَصْبِ " غدوة " قولُه :
وما زال مُهْرِي مَزْجَرَ الكلبِ منهم *** لَدُنْ غدوةً حتى دَنَتْ لغروبِ
واللغةُ المشهورةُ بناؤُها ، وسببُه شَبَهُها بالحَرْف في لزومِ استعمالٍ واحد ، وامتناعَ الإِخبار بها بخلافِ عند ولدى ، فإنهما لا يَلْزَمان استعمالاً واحداً ، إذ يكونان فَضْلةً وعُمْدةً وغايةً وغيرَ غاية بخلاف " لَدُن " . وقال بعضهم : " عِلَّةُ بنائِها كونُها دالةً على الملاصَقَةِ صفةً ومختصةً بها بخلافِ " عند " فإنها لا تدلُّ على الملاصقةِ ، فصارَ فيها مَعنًى لا يَدُلُّ عليه الظرفُ ، بل هو من قبيلِ ما يَدُلُّ عليه الحرفُ ، فكأنها مُضَمَّنةٌ معنى حرفٍ ، كانَ مِنْ حقِّه أن يُوضَعَ لذلك فَلم يُوْضَعْ ، كما قالوا في اسم الإِشارة .
واللغتان المذكورتان من الإِعراب والبناء مختصتان ب " لدن " المفتوحةِ اللامِ المضمومةِ الدالِ ، الواقعِ آخرَها نونٌ ، وأمَّا بقيةُ لغاتها على ما سنذكره فإنها مبنيةٌ عند جميع العرب . وفيها عشرُ لغات : الأولى وهي المشهورة ، ولدَن ولدِن بفتح الدال وكسرِها ، ولَدْن ولُدْن بفتح اللام ، وضمها مع سكونِ الدال وكسر النون ، ولُدْنَ بالضم والسكون وفتح النون ، ولَدْ ولُدْ بفتح اللام وضمها مع سكون الدال ، ولَدُ بفتح اللام وضم الدال ولَتْ بإبدال الدالِ تاء ساكنة ، ومتى أُضيفت المحذوفةُ النونِ إلى ضميرٍ وَجَبَ رَدُّ النونِ .
قوله : { أَنْتَ الْوَهَّابُ } يُحْتمل أن تكونَ مبتدأً وأَنْ تكونَ ضميرَ الفصلِ وأن تكون تأكيداً لاسمِ " إنَّ " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.