فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (8)

( ربنا لا تزغ قلوبنا ) قال ابن كيسان سألوا أن لا يزيغوا فتزيغ قلوبهم نحو قوله تعالى ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) كأنهم لما سمعوا قوله تعالى ( وأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ) قالوا ربنا لا تزغ قلوبنا باتباع المتشابه ( بعد إذ هديتنا ) إلى الحق بما أذنت لنا من العمل بالآيات المحكمات .

( وهب لنا من لدنك رحمة ) أي كائنة من عندك ، ومن لابتداء الغاية ولدن بفتح اللام وضم الدال وسكون النون وفيه لغات أخر هذه أفصحها ، وهو ظرف مكان وقد يضاف إلى الزمان ، وتنكير رحمة للتعظيم أي رحمة عظيمة واسعة تزلفنا إليك ونفوز بها عندك ، أو توفيقا للثبات على الحق او مغفرة للذنوب ( إنك انت الوهاب ) لكل مسؤول تعليل للسؤال او لإعطاء المسؤول .

وهذا العموم مفهوم من عدم ذكر الموهوب ، فالتخصيص بموهوب مسؤول دون آخر تخصيص بلا مخصص ، وفيه دليل على ان الهدى والضلال من الله وانه متفضل بما ينعم به على عباده لا يجب عليه شئ لأنه وهاب .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ثم قرأ ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ) {[306]} الآية " وقد ورد نحوه من طرق أخر .


[306]:أحمد 4/182،ابن ماجة مقدمة 13.