السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} (8)

{ ربنا لا تزغ } أي : لا تمل { قلوبنا } عن طريق الحق إلى اتباع المتشابه بتأويل لا ترتضيه { بعد إذ هديتنا } وفقتنا لدينك والإيمان بالحكم والمتشابه . قال عليه الصلاة والسلام : ( قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء أقامه أي : القلب على الحق وإن شاء أزاغه عنه ) رواه الشيخان وغيرهما ، وقيل : لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا وعلى هذا اقتصر الزمخشري ووجه بأنّ ما ذكر كناية أو مجاز إذ لا تحسن من الله الإزاغة ليشمل نفيها وهذا بناء على مذهبه من الاعتزال ، وأمّا مذهب أهل السنة فالزيغ والهداية خلق الله تعالى وكان صلى الله عليه وسلم يقول : ( اللهمّ يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك ) وعن أبي موسى الأشعريّ رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مثل القلب كريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح ظهراً وبطناً ) { وهب لنا } أي : أعطنا { من لدنك } أي : من عندك { رحمة } أي : توفيقاً وتثبيتاً للذي نحن عليه من الإيمان والهدى أو مغفرة للذنوب { إنك أنت الوهاب } لكل سؤل وفيه دليل على أنّ الهدى والضلال من الله تعالى وأنه متفضل بما ينعم على عباده لا يجب عليه شيء ما .