قوله تعالى : { إنما يأمركم بالسوء } . أي بالإثم ، وأصل السوء ما يسوء صاحبه وهو مصدر ، ساء يسوء سوءا ومساءة ، أي أحزنه ، وسوأته فساء أي حزنته فحزن .
قوله تعالى : { والفحشاء } . المعاصي وما قبح من القول والفعل وهو مصدر كالسراء والضراء . روي عن ابن عباس قال : الفحشاء من المعاصي ما يجب فيه الحد ، والسوء من الذنوب ما لا حد فيه . وقال السدي : هي الزنا . وقيل هي البخل .
قوله تعالى : { أن تقولوا على الله ما لا تعلمون } . من تحريم الحرث والأنعام .
ثم لم يكتف بذلك ، حتى أخبرنا بتفصيل ما يأمر به ، وأنه أقبح الأشياء ، وأعظمها مفسدة فقال : { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ } أي : الشر الذي يسوء صاحبه ، فيدخل في ذلك ، جميع المعاصي ، فيكون قوله : { وَالْفَحْشَاءِ } من باب عطف الخاص على العام ، لأن الفحشاء من المعاصي ، ما تناهى قبحه ، كالزنا ، وشرب الخمر ، والقتل ، والقذف ، والبخل ونحو ذلك ، مما يستفحشه من له عقل ، { وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } فيدخل في ذلك ، القول على الله بلا علم ، في شرعه ، وقدره ، فمن وصف الله بغير ما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله ، أو نفى عنه ما أثبته لنفسه ، أو أثبت له ما نفاه عن نفسه ، فقد قال على الله بلا علم ، ومن زعم أن لله ندا ، وأوثانا ، تقرب من عبدها من الله ، فقد قال على الله بلا علم ، ومن قال : إن الله أحل كذا ، أو حرم كذا ، أو أمر بكذا ، أو نهى عن كذا ، بغير بصيرة ، فقد قال على الله بلا علم ، ومن قال : الله خلق هذا الصنف من المخلوقات ، للعلة الفلانية بلا برهان له بذلك ، فقد قال على الله بلا علم ، ومن أعظم القول على الله بلا علم ، أن يتأول المتأول كلامه ، أو كلام رسوله ، على معان اصطلح عليها طائفة من طوائف الضلال ، ثم يقول : إن الله أرادها ، فالقول على الله بلا علم ، من أكبر المحرمات ، وأشملها ، وأكبر طرق الشيطان التي يدعو إليها ، فهذه طرق الشيطان التي يدعو إليها هو وجنوده ، ويبذلون مكرهم وخداعهم ، على إغواء الخلق بما يقدرون عليه .
وأما الله تعالى ، فإنه يأمر بالعدل والإحسان ، وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، فلينظر العبد نفسه ، مع أي الداعيين هو ، ومن أي الحزبين ؟ أتتبع داعي الله الذي يريد لك الخير والسعادة الدنيوية والأخروية ، الذي كل الفلاح بطاعته ، وكل الفوز في خدمته ، وجميع الأرباح في معاملة المنعم بالنعم الظاهرة والباطنة ، الذي لا يأمر إلا بالخير ، ولا ينهى إلا عن الشر ، أم تتبع داعي الشيطان ، الذي هو عدو الإنسان ، الذي يريد لك الشر ، ويسعى بجهده على إهلاكك في الدنيا والآخرة ؟ الذي كل الشر في طاعته ، وكل الخسران في ولايته ، الذي لا يأمر إلا بشر ، ولا ينهى إلا عن خير .
وقوله : { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ } أي : إنما يأمركم عدوّكم الشيطان بالأفعال السيئة ، وأغلظ منها الفاحشة كالزنا ونحوه ، وأغلظ من ذلك وهو القول على الله بلا علم ، فيدخل{[3053]} في هذا كل كافر وكل مبتدع أيضًا .
{ إنما يأمركم بالسوء والفحشاء } بيان لعداوته ، ووجوب التحرز عن متابعته . واستعير الأمر لتزيينه وبعثه لهم على الشر تسفيها لرأيهم وتحقيرا لشأنهم ، والسوء والفحشاء ما أنكره العقل واستقبحه الشرع ، والعطف لاختلاف الوصفين فإنه سوء لاغتمام العاقل به ، وفحشاء باستقباحه إياه . وقيل : السوء يعم القبائح ، والفحشاء ما يتجاوز الحد في القبح من الكبائر . وقيل : الأول ما لا حد فيه ، والثاني ما شرع فيه الحد { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } كاتخاذ الأنداد وتحليل المحرمات وتحريم الطيبات ، وفيه دليل على المنع من اتباع الظن رأسا . وأما اتباع المجتهد لما أدى إليه ظن مستند إلى مدرك شرعي فوجوبه قطعي ، والظن في طريقه كما بيناه في الكتب الأصولية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.