البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّمَا يَأۡمُرُكُم بِٱلسُّوٓءِ وَٱلۡفَحۡشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (169)

الفحشاء : مصدر كالبأساء ، وهو فعلاء من الفحش ، وهو قبح المنظر ، ومنه قول امرىء القيس :

وجيد كجيد الريم ليس بفاحش *** إذا هي نصته ولا بمعطل

ثم توسع فيه حتى صار يستعمل فيما يستقبح من المعاني .

{ إنما يأمركم بالسوء والفحشاء } : لما أخبر أنه عدوّ ، أخذ يذكر ثمرة العداوة وما نشأ عنها ، وهو أمره بما ذكر .

وقد تقدم الكلام في إنما في قوله : { إنما نحن مصلحون } وفي الخلاف فيها ، أتفيد الحصر أم لا ؟ وأمر الشيطان ، إما بقوله في زمن الكهنة وحيث يتصور ، وإما بوسوسته وإغوائه .

فإذا أطيع ، نفذ أمره بالسوء ، أي بما يسوء في العقبى .

وقال ابن عباس : السوء ما لا حد له .

والفحشاء ، قال السدي : هي الزنا .

وقال ابن عباس : كل ما بلغ حداً من الحدود لأنه يتفاحش حينئذ .

وقيل : ما تفاحش ذكره .

وقيل : ما قبح قولاً أو فعلاً .

وقال طاوس : ما لا يعرف في شريعة ولا سنة .

وقال عطاء : هي البخل .

{ وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } ، قال الطبري : يريد به ما حرموا من البحيرة والسائبة ونحوه ، وجعلوه شرعاً .

وقال الزمخشري : هو قولهم هذا حلال وهذا حرام بغير علم ، ويدخل فيه كل ما يضاف إلى الله مما لا يجوز عليه . انتهى .

قيل : وظاهر هذا تحريم القول في دين الله بما لا يعلمه القائل من دين الله ، فيدخل في ذلك الرأي والأقيسة والشبهية والاستحسان .

قالوا : وفي هذه الآية إشارة إلى ذمّ من قلد الجاهل واتبع حكمه .

قال الزمخشري : فإن قلت : كيف كان الشيطان آمراً مع قوله : { ليس لك عليهم سلطان } ؟ قلت : شبه تزيينه وبعثه على الشر بأمر الآمر ، كما تقول : أمرتني نفسي بكذا ، وتحته رمز إلى أنكم فيه بمنزلة المأمورين لطاعتكم له وقبولكم وساوسه ، ولذلك قال : { ولآمرنّهم فليبتكنّ آذان الأنعام } { ولأمرهن فليغيرنّ خلق الله } .

وقال الله تعالى : { إن النفس لأمّارة بالسوء } لما كان الإنسان يطعمها ويعطيها ما اشتهت .

انتهى كلامه .

/خ176