فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّمَا يَأۡمُرُكُم بِٱلسُّوٓءِ وَٱلۡفَحۡشَآءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (169)

{ إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ، وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباءهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون } .

ثم بين عداوته ما هي فقال { إنما يأمركم } قيل استعير الأمر لتزيينه وبعثه لهم على الشر تسفيها لرأيهم ، وتحقيرا لشأنهم قاله البيضاوي ، وقيل لا حاجة إلى صرف الأمر عن ظاهره لأن حقيقته طلب الفعل ، ولا ريب أن الشيطان يطلب السوء والفحشاء ممن يريد إغواءه { بالسوء } سمي السوء سوءا لأنه يسوء صاحبه بسوء عاقبته وهو مصدر ساءه يسؤه سوءا ومساءة إذا أحزنه { والفحشاء } أصله سوء المنظر ثم استعمل فيما يقبح من المعتني ، وقيل السوء القبيح والفحشاء التجاوز للحد في القبح ، وقيل السوء ما لا حد فيه والفحشاء ما فيه الحد قاله ابن عباس ، وقيل الفحشاء الزنا ، وقيل هو البخل وقيل إن كل ما نهت عنه الشريعة فهو من الفحشاء .

{ وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } أي بأن تقولوا ، قال ابن جرير الطبري ، يريد ما حرموا من البحيرة والسائبة ونحوهما مما جعلوه شرعا . وقيل هو قولهم هذا حلال وهذا حرام بغير علم ، والظاهر أنه يصدق على كل ما قيل في الشرع بغير علم فيتناول ذلك جميع المذاهب الفاسدة التي لم يأذن فيها الله ، ولم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر الشيطان ووسوسته عبارة عن هذه الخواطر التي يجدها الإنسان في قلبه ، وفاعل هذه الخواطر هو الله تعالى وإنما الشيطان كالعرض ، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم .