قوله تعالى : { وقطعناهم } ، أي : فرقناهم ، يعني بني إسرائيل .
قوله تعالى : { اثنتي عشرة أسباطاً أمماً } قال الفراء : إنما قال : اثنتي عشرة ، والسبط مذكر لأنه قال : أمماً . فرجع التأنيث إلى الأمم ، وقال الزجاج : المعنى وقطعناهم اثنتي عشرة فرقة أمماً ، وإنما قال : أسباطاً أمماً ، بالجمع وما فوق العشرة لا يفسر بالجمع ، فلا يقال : أتاني اثنا عشر رجالاً ، لأن الأسباط في الحقيقة نعت المفسر المحذوف وهو الفرقة ، أي : وقطعناهم اثنتي عشرة فرقة أمما ، وقيل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : وقطعناهم أسباطاً أمما اثنتي عشرة ، والأسباط القبائل واحدها سبط .
قوله تعالى : { وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه } في التيه .
قوله تعالى : { أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست } انفجرت . وقال أبو عمرو بن العلاء : عرقت ، وهو الانبجاس ، ثم انفجرت .
قوله تعالى : { منه اثنتا عشرة عيناً } لكل سبط عين .
قوله تعالى : { قد علم كل أناس } كل سبط .
قوله تعالى : { مشربهم } ، وكل سبط بنو أب واحد .
قوله تعالى : { وظللنا عليهم الغمام } في التيه تقيهم حر الشمس .
قوله تعالى : { وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } .
160 وَقَطَّعْنَاهُمُ أي : قسمناهم اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا أي : اثنتي عشرة قبيلة متعارفة متوالفة ، كل بني رجل من أولاد يعقوب قبيلة .
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أي : طلبوا منه أن يدعو اللّه تعالى ، أن يسقيهم ماء يشربون منه وتشرب منه مواشيهم ، وذلك لأنهم - واللّه أعلم - في محل قليل الماء .
فأوحى اللّه لموسى إجابة لطلبتهم أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ يحتمل أنه حجر معين ، ويحتمل أنه اسم جنس ، يشمل أي حجر كان ، فضربه فَانْبَجَسَتْ أي : انفجرت من ذلك الحجر اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا جارية سارحة .
قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ أي : قد قسم على كل قبيلة من تلك القبائل الاثنتي عشرة ، وجعل لكل منهم عينا ، فعلموها ، واطمأنوا ، واستراحوا من التعب والمزاحمة ، والمخاصمة ، وهذا من تمام نعمة اللّه عليهم .
وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ فكان يسترهم من حر الشمس وَأَنزلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وهو الحلوى ، وَالسَّلْوَى وهو لحم طير من أنواع الطيور وألذها ، فجمع اللّه لهم بين الظلال ، والشراب ، والطعام الطيب ، من الحلوى واللحوم ، على وجه الراحة والطمأنينة .
وقيل لهم : كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا حين لم يشكروا اللّه ، ولم يقوموا بما أوجب اللّه عليهم .
وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ حيث فوتوها كل خير ، وعرضوها للشر والنقمة ، وهذا كان مدة لبثهم في التيه .
وبعد تقرير تلك الحقيقة تمضي القصة في أحداثها بعد الرجفة :
( وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمماً ؛ وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه : أن اضرب بعصاك الحجر ، فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً . قد علم كل أناس مشربهم . وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى . كلوا من طيبات ما رزقناكم . وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) . .
إنها رعاية الله ما زالت تظلل موسى وقومه - بعد أن كفروا فعبدوا العجل ، ثم كفروا عن الخطيئة كما أمرهم الله ، فتاب عليهم . وبعد أن طلبوا رؤية الله جهرة ، فأخذتهم الرجفة ، ثم استجاب الله لدعاء موسى فأحياهم . . تتجلى هذه الرعاية في تنظيمهم حسب فروعهم في اثنتي عشرة أمة - أي جماعة كبيرة - ترجع كل جماعة منها إلى حفيد من حفداء جدهم يعقوب - وهو إسرائيل - وقد كانوا محتفظين بأنسابهم على الطريقة القبلية :
( وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمماً ) . .
وتبدو في تخصيص عين تشرب منها كل جماعة وتعيينها لهم ، فلا يعتدي بعضهم على بعض .
( وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه : أن اضرب بعصاك الحجر ، فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً . قد علم كل أناس مشربهم . . )
وتبدو في تظليل الغمام لهم من شمس هذه الصحراء المحرقة ؛ وإنزال المن - وهو نوع من العسل البري - والسلوى ، وهو طائر السماني ؛ وتيسيره لهم ضماناً لطعامهم بعد ضمان شرابهم :
( وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى ) . .
وتبدو في إباحة كل هذه الطيبات لهم ، حيث لم يكن قد حرم عليهم بعد شيء بسبب عصيانهم :
( كلوا من طيبات ما رزقناكم ) . .
والرعاية واضحة في هذا كله ؛ ولكن هذه الجبلة ما تزال بعد عصية على الهدى والإستقامة كما يبدو من ختام هذه الآية التي تذكر كل هذه النعم وكل هذه الخوارق : من تفجير العيون لهم من الصخر بضربة من عصا موسى . ومن تظليل الغمام لهم في الصحراء الجافة . ومن تيسير الطعام الفاخر من المن والسلوى :
( وما ظلمونا ، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) . .
وسيعرض السياق نماذج من ظلمهم لأنفسهم ؛ بالمعصية عن أمر الله والإلتواء عن طريقه . . وما يبلغون بهذا الإلتواء وتلك المعصية أن يظلموا الله - سبحانه - فالله غني عنهم وعن العالمين أجمعين . وما ينقص من ملكه أن يجتمعوا هم والعالمون على معصيته ؛ وما يزيد في ملكه أن يجتمعوا هم والعالمون على طاعته . إنما هم يؤذون أنفسهم ويظلمونها بالمعصية والإلتواء ، في الدنيا وفي الآخرة سواء .
تقدم تفسير هذا كله في سورة " البقرة " ، وهي مدنية ، وهذا السياق مكي ، ونبهنا على الفرق بين هذا السياق وذاك بما أغنى عن إعادته ، ولله الحمد والمنة{[12274]}
{ وقطّعناهم } وصيرناهم قطعا متميزا بعضهم عن بعض . { اثنتي عشرة } مفعول ثان لقطع فإنه متضمن معنى صير ، أو حال وتأنيثه للحمل على الأمة أو القطعة . { أسباطا } بدل منه ولذلك جمع ، أو تمييز له على أن كل واحد من اثنتي عشرة أسباط فكأنه قيل : اثنتي عشرة قبيلة . وقرئ بكسر الشين وإسكانها . { أمما } على الأول بدل بعد بدل ، أو نعت أسباط وعلى الثاني بدل من أسباط . { وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه } في التيه . { أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست } أي فضرب فانبجست وحذفه للإيماء على أن موسى صلى الله عليه وسلم لم يتوقف في الامتثال ، وأن ضربه لم يكن مؤثرا يتوقف عليه الفعل في ذاته { منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس } كل سبط . { مشربهم وظلّلنا عليهم الغمام } ليقيهم حر الشمس . { وأنزلنا عليهم المنّ والسلوى كلوا } أي وقلنا لهم كلوا . { من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } سبق تفسيره في سورة البقرة .