تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَطَّعۡنَٰهُمُ ٱثۡنَتَيۡ عَشۡرَةَ أَسۡبَاطًا أُمَمٗاۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنۢبَجَسَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۚ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡغَمَٰمَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (160)

الآية 160 وقوله تعالى : { وقطّعناهم اثنتي عشر أسباطا أمما } قال ابن عباس رضي الله عنه ، هو ما ذكره { وقطّعناهم في الأرض أمما } [ الأعراف : 168 ] أي جماعة ، وقيل : { وقطّعناهم } أي جعلناهم { اثنتي عشرة أسباطا } فرقا ، وقال غيرهم : قوله تعالى : { وقطّعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما } أي جاوزنا بهم البحر ، وجعلناهم { اثنتي عشرة أسباطا } .

قال أبو عوسجة : الأسباط الأفخاذ ، والسّبط واحد ، وقال القتبيّ : الأسباط القبائل ، واحدها سبط .

وقيل : الفخذ دون القبيلة ، وقيل : إن أولاد إسحاق تسمى أسباطا ، وأولاد إسماعيل قبائل وأفخاذ ، ولذلك يقال للعرب : قبيلة كذا [ وفخذ كذا ]{[9033]} ولسنا ندري كيف هو{[9034]} ؟ وقيل : سبط الرجل ولد ولده على ما روي أن الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقوله تعالى : { وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه } قيل : { إذ استسقاه قومه } إنهم كانوا في المفازة لا في البلدان والقرى ؛ لأنهم كانوا في القرى ، والقرى لا تخلو من أنهار ، تجري فيها ، أو عيون الأرض .

ألا ترى أنه قال : { وظلّلنا عليهم الغمام } دل أنهم كانوا في المفازة ؟ لأنه هنالك تقع الحاجة على الغمام ، وأما في القرى فلا .

وقوله تعالى : { فانبجست منه اثنتا عشرة عينا } قال بعضهم : انفجرت على ما ذكر في سورة أخرى{[9035]} . وقيل : إن هذه الكلمة بلسانهم لا بلسان العرب .

وقوله تعالى : { قد علم كل أناس مشربهم } قال بعضهم : تعبّدهم عز وجل بمعرفة كل منهم مشربه ، وقال بعضهم : لا ، ولكن لئلا يزدحموا في ذلك ، فيقع{[9036]} في أولادهم التقاتل{[9037]} والإفساد والتّنازع والاختلاف .

وقوله تعالى : { وظلّلنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المنّ والسلوى } فيه أن جميع مؤنهم كانت من السماء بلا مؤنة ولا تعب على أنفسهم .

وقوله تعالى : { كلوا من طيبات ما رزقناكم } ما ذكر من المن والسلوى{[9038]} وغيره { وما ظلمونا } أي لا أحد يقصد قصد ظلم الله ، ولكن إذا تعدّوا حدود الله التي جعل لهم ، وجاوزوها لهم ، فقد ظلموا أنفسهم ، لما رجع ضرر ذلك التعدّي إليهم . وهذه النعم التي ذكر لهم : جل ، وعلا ، إنما جعلها لهم في حال العقوبة والابتلاء من المن والسلوى والعيون والغمام .

ويدل هذا على أن عقوبات الدنيا ، قد يشوبها لذة ونعمة ، وكذلك لذّات الدنيا قد يمازجها شدائد وهموم ؛ فإنما تخلص وتصفو هذه النعم في الآخرة ، وكذلك العقوبة هنالك تخلص ، وتفارق اللذات .


[9033]:من م، ساقطة من الأصل.
[9034]:من م، في الأصل: وهو.
[9035]:وهو قوله تعالى: {فانفجرت منه اثنتا عشرة} [البقرة:20].
[9036]:في الأصل وم: ليقع.
[9037]:من م، في الأصل: التقابل.
[9038]:وذلك في سورة البقرة الآية (57) وسورة طه الآية (80).