السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَقَطَّعۡنَٰهُمُ ٱثۡنَتَيۡ عَشۡرَةَ أَسۡبَاطًا أُمَمٗاۚ وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ إِذِ ٱسۡتَسۡقَىٰهُ قَوۡمُهُۥٓ أَنِ ٱضۡرِب بِّعَصَاكَ ٱلۡحَجَرَۖ فَٱنۢبَجَسَتۡ مِنۡهُ ٱثۡنَتَا عَشۡرَةَ عَيۡنٗاۖ قَدۡ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٖ مَّشۡرَبَهُمۡۚ وَظَلَّلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡغَمَٰمَ وَأَنزَلۡنَا عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَنَّ وَٱلسَّلۡوَىٰۖ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡۚ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (160)

{ وقطعناهم } أي : فرقنا بني إسرائيل وقوله تعالى : { اثنتي عشرة } حال وتأنيثه حملاً على الأمة { أسباطاً } بدل منه ولذلك جمع قبائل والأسباط أولاد الولد وكانوا اثنتي عشرة قبيلة من اثني عشر ولداً من ولد يعقوب عليه السلام { أمماً } بدل بعد بدل أو نعت ل( أسباطاً ) أي : وقطعناهم أمماً لأنّ كل سبط كان أمة عظيمة وجماعة كثيفة العدد وكل واحدة كانت تؤم خلاف ما تؤمه الأخرى لا تكاد تأتلف { وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه } أي : حين استسقوه في التيه { أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست } أي : انفجرت والمعنى واحد وهو الانفتاح بسعة وكثرة يقال : بجست الماء فانبجس أي : فجرته فانفجر قاله الجوهري ، وعلى هذا التقرير فلا تباين بين الانبجاس المذكور هنا وبين الانفجار المذكور في سورة البقرة ، وقال آخرون : الانبجاس خروج الماء بقلة والانفجار خروجه بكثرة وطريق الجمع أن الماء ابتدأ بالخروج قليلاً ثم صار كثيراً وهذا الفرق مروي عن عمرو بن العلاء .

فإن قيل : هلا قيل : فضربه فانبجست ؟ أجيب : بأنه إنما حذف ذلك للإيماء على أن موسى لم يتوقف في الامتثال وإن ضربه لم يكن مؤثراً يتوقف عليه الفعل في ذاته { منه } أي : من الحجر { اثنتا عشرة عيناً } أي : بعدد الأسباط { قد علم كل أناس } أي : كل سبط منهم { مشربهم } أي : لا يدخل سبط على سبط في مشربهم { وظللنا عليهم الغمام } أي : في التيه ليقيهم من حر الشمس { وأنزلنا عليهم المنّ } الترنجبيل { والسلوى } أي : الطير السماني بتخفيف الميم والقصر جعل الله تعالى ذلك طعاماً لهم في التيه ، وقيل : المنّ الخبز والسلوى الإدام ، وقال ابن يحيى : السلوى طائر يشبه السماني وخاصيته أن أكل لحمه يلين القلوب القاسية يموت إذا سمع صوت الرعد كما أنّ الخطاف يقتله البرد فيلهمه الله تعالى أن يسكن جزائر البحر التي لا يكون فيها مطر ولا رعد إلى انقضاء أوان المطر والرعد فيخرج من الجزائر وينتشر في الأرض { كلوا } أي : وقلنا لهم كلوا { من طيبات ما رزقناكم } مما لم تعالجوه نوع معالجة وقوله تعالى : { وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } فيه حذف ترك ذكره للاستغناء عنه ودلالة الكلام عليه تقديره كلوا من طيبات ما رزقناكم فامتنعوا من ذلك وسئموه وقالوا : لن نصبر على طعام واحد وسألوه غير ذلك لأنّ المكلف إذا أمر بشيء فتركه وعدل عنه إلى غيره يكون عاصياً بفعل ذلك فلهذا قال تعالى : { وما ظلمونا } أي : بفعل شيء مما قابلوا به الإحسان بالكفران ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بمخالفتهم ما أمروا به وقد سبق تفسير هذه الآية في سورة البقرة .