معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

قوله تعالى :{ إيلافهم } بدل من الإيلاف الأول ، { رحلة الشتاء والصيف } { رحلة } نصب على المصدر ، أي ارتحالهم رحلة الشتاء والصيف . روى عكرمة ، وسعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف ، فأمرهم الله تعالى أن يقيموا بالحرم ويعبدوا رب هذا البيت . وقال الآخرون : كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة : إحداهما في الشتاء إلى اليمن ؛ لأنها أدفأ ، والأخرى في الصيف إلى الشام . وكان الحرم وادياً جدباً لا زرع فيه ولا ضرع ، وكانت قريش تعيش بتجارتهم ورحلتهم ، وكان لا يتعرض لهم أحد بسوء ، كانوا يقولون : قريش سكان حرم الله وولاة بيته ، فلولا الرحلتان لم يكن لهم مقام بمكة ، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف ، وشق عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام ، فأخصبت تبالة وجرش من بلاد اليمن ، فحملوا الطعام إلى مكة ، أهل الساحل من البحر على السفن ، وأهل البر على الإبل والحمير ، فألقى أهل الساحل بجدة ، وأهل البر بالمحصب ، وأخصب الشام فحملوا الطعام إلى مكة فألقوا بالأبطح ، فامتاروا من قريب ، وكفاهم الله مؤونة الرحلتين .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

وانتظام رحلتهم في الشتاء لليمن ، والصيف للشام ، لأجل التجارة والمكاسب .

فأهلك الله من أرادهم بسوء ، وعظم أمر الحرم وأهله في قلوب العرب ، حتى احترموهم ، ولم يعترضوا لهم في أي : سفر أرادوا .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

سورة قريش مكية وآيتها أربع

استجاب الله دعوة خليله إبراهيم ، وهو يتوجه إليه عقب بناء البيت وتطهيره : ( رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات ) . . فجعل هذا البيت آمنا ، وجعله عتيقا من سلطة المتسلطين وجبروت الجبارين ؛ وجعل من يأوي إليه آمنا والمخافة من حوله في كل مكان . . حتى حين انحرف الناس وأشركوا بربهم وعبدوا معه الأصنام . . لأمر يريده سبحانه بهذا البيت الحرام .

ولما توجه أصحاب الفيل لهدمه كان من أمرهم ما كان ، مما فصلته سورة الفيل . وحفظ الله للبيت أمنه ، وصان حرمته ؛ وكان من حوله كما قال الله فيهم : ( أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ? ) .

وقد كان لحادث الفيل أثر مضاعف في زيادة حرمة البيت عند العرب في جميع أنحاء الجزيرة ، وزيادة مكانة أهله وسدنته من قريش ، مما ساعدهم على أن يسيروا في الأرض آمنين ، حيثما حلوا وجدوا الكرامة والرعاية ، وشجعهم على إنشاء خطين عظيمين من خطوط التجارة - عن طريق القوافل - إلى اليمن في الجنوب ، وإلى الشام في الشمال . وإلى تنظيم رحلتين تجاريتين ضخمتين : إحداهما إلى اليمن في الشتاء ، والثانية إلى الشام في الصيف .

ومع ما كانت عليه حالة الأمن في شعاب الجزيرة من سوء ؛ وعلى ما كان شائعا من غارات السلب والنهب ، فإن حرمة البيت في أنحاء الجزيرة قد كفلت لجيرته الأمن والسلامة في هذه التجارة المغرية ، وجعلت لقريش بصفة خاصة ميزة ظاهرة ؛ وفتحت أمامها أبواب الرزق الواسع المكفول ، في أمان وسلام وطمأنينة . وألفت نفوسهم هاتين الرحلتين الآمنتين الرابحتين ، فصارتا لهم عادة وإلفا !

هذه هي المنة التي يذكرهم الله بها - بعد البعثة - كما ذكرهم منة حادث الفيل في السورة السابقة ، منة إيلافهم رحلتي الشتاء والصيف ، ومنة الرزق الذي أفاضه عليهم بهاتين الرحلتين - وبلادهم قفرة جفرة وهم طاعمون هانئون من فضل الله . ومنة أمنهم الخوف . سواء في عقر دارهم بجوار بيت الله ، أم في أسفارهم وترحالهم في رعاية حرمة البيت التي فرضها الله وحرسها من كل اعتداء .

يذكرهم بهذه المنن ليستحيوا مما هم فيه من عبادة غير الله معه ؛ وهو رب هذا البيت الذي يعيشون في جواره آمنين طاعمين ؛ ويسيرون باسمه مرعيين ويعودون سالمين . .

يقول لهم : من أجل إيلاف قريش : رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي كفل لهم الأمن فجعل نفوسهم تألف الرحلة ، وتنال من ورائها ما تنال ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع ) . . وكان الأصل - بحسب حالة أرضهم - أن يجوعوا ، فأطعمهم الله وأشبعهم من هذا الجوع ( وآمنهم من خوف ) . . وكان الأصل - بحسب ما هم فيه من ضعف وبحسب حالة البيئة من حولهم - أن يكونوا في خوف فآمنهم من هذا الخوف !

وهو تذكير يستجيش الحياء في النفوس . ويثير الخجل في القلوب . وما كانت قريش تجهل قيمة البيت وأثر حرمته في حياتها . وما كانت في ساعة الشدة والكربة تلجأ إلا إلى رب هذا البيت وحده . وها هو ذا عبد المطلب لا يواجه أبرهة بجيش ولا قوة . إنما يواجهه برب هذا البيت الذي يتولى حماية بيته ! لم يواجهه بصنم ولا وثن ، ولم يقل له . . إن الآلهة ستحمي بيتها . إنما قال له : " أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه " . . ولكن انحراف الجاهلية لا يقف عند منطق ، ولا يثوب إلى حق ، ولا يرجع إلى معقول .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

{ لإيلافِ قُرَيْشٍ } أي : لائتلافهم واجتماعهم في بلدهم آمنين .

وقيل : المراد بذلك ما كانوا يألفونه من الرحلة في الشتاء إلى اليمن ، وفي الصيف إلى الشام في المتاجر وغير ذلك ، ثم يرجعون إلى بلدهم آمنين في أسفارهم ؛ لعظمتهم عند الناس ، لكونهم سكان حرم الله ، فمن عَرَفهم احترمهم ؛ بل من صوفي إليهم وسار معهم أمن بهم . هذا{[30554]} حالهم في أسفارهم ورحلتهم في شتائهم وصيفهم . وأما في حال إقامتهم في البلد ، فكما قال الله : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } [ العنكبوت : 67 ] ولهذا قال : { لإيلافِ قُرَيْشٍ } بدل من الأول ومفسر له . ولهذا قال : { إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ }

وقال ابن جرير : الصواب أن " اللام " لام التعجب ، كأنه يقول : اعجبوا لإيلاف قريش ونعمتي عليهم في ذلك . قال : وذلك لإجماع المسلمين على أنهما سورتان منفصلتان مستقلتان{[30555]} .


[30554]:- (5) في م : "وهذا".
[30555]:- (1) تفسير الطبري (30/198).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

وقوله : { إيلافِهِمْ } مخفوضة على الإبدال ، كأنه قال : لإيلاف قريش لإيلافهم ، رحلة الشتاء والصيف . وأما الرحلة فنُصبت بقوله : { إيلافِهِمْ } ، ووقوعه عليها .

وقوله : { رِحْلَةَ الشّتاءِ وَالصّيْفِ } يقول : رحلة قريش الرحلتين ، إحداهما إلى الشام في الصيف ، والأخرى إلى اليمن في الشتاء .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { رِحْلَةَ الشّتاءِ والصّيْفِ } قال : كانت لهم رحلتان : الصيف إلى الشام ، والشتاء إلى اليمن في التجارة ، إذا كان الشتاء امتنع الشأم منهم لمكان البرد ، وكانت رحلتهم في الشتاء إلى اليمن .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان { رِحْلَةَ الشّتاءِ وَالصّيْفِ } قال : كانوا تُجّارا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الكلبيّ { رِحْلَةَ الشّتاء وَالصّيْفِ } قال : كانت لهم رحلتان : رحلة في الشتاء إلى اليمن ، ورحلة في الصيف إلى الشام .

حدثنا عمرو بن عليّ ، قال : حدثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني ، قال : حدثنا خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة قال : ثني أبي ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس { إيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشّتاءِ وَالصّيْفِ } قال : كانوا يَشْتُون بمكة ، ويَصِيفون بالطائف .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

وقوله : { إيلافهم } عطف بيان من « إيلاف قريش » وهو من أسلوب الإجمال ، فالتفصيل للعناية بالخبر ليتمكن في ذهن السامع ومنه قوله تعالى : { لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات } [ غافر : 36 ] حكاية لكلام فرعون ، وقول امرىء القيس :

ويومَ دخلتُ الخِدْرَ خِدْرَ عُنَيْزَة

والرحلة بكسر الراء : اسم للارتحال ، وهو المسير من مكان إلى آخر بعيد ، ولذلك سمي البعير الذي يسافَر عليه راحلة .

وإضافة رحلة إلى الشتاء من إضافة الفعل إلى زمانه الذي يقع فيه فقد يكون الفعل مستغرقاً لزمانه مثل قَولك : سَهَر الليل ، وقد يكون وقتاً لابتدائه مثل صلاة الظهر ، وظاهر الإِضافة أن رحلة الشتاء والصيف معروفة معهودة ، وهما رحلتان . فعطف { والصيف } على تقدير مضاف ، أي ورحلة الصيف ، لظهور أنه لا تكون رحلة واحدة تبتدأ في زمانين فتعين أنهما رحلتان في زمنين .

وجوز الزمخشري أن يَكون لفظ { رحلة } المفرد مضافاً إلى شيئين لظهور المراد وأمن اللبس . وقال أبو حيان : هذا عند سيبويه لا يجوز إلا في الضرورة .

و{ الشتاء } : اسم لفصل من السنة الشمسية المقسمة إلى أربعة فصول . وفصل الشتاء تسعة وثمانون يوماً وبضع دقائق مبدؤها حلول الشمس في برج الجَدْي ، ونهايتها خروج الشمس من بُرج الحوت ، وبروجه ثلاثة : الجَدْي ، والدَّلْوُ ، والحوت . وفصل الشتاء مُدة البرد .

و{ الصيف } : اسم لفصل من السنة الشمسية ، وهو زمن الحرّ ومدته ثلاثة وتسعون ويوماً وبضع ساعات ، مبدؤها حلول الشمس في برج السَرَطان ونهايته خروج الشمس من برج السُّنْبُلَة ، وبروجه ثلاثة : السرطان ، والأسد ، والسنبلة .

قال ابن العربي : قال مالك : الشتاء نصف السنة والصيف نصفها ولم أزل أرى ربيعة ابن أبي عبد الرحمان ومن معه لا يخلعون عمائمهم حتى تطلع الثريا ( يعني طلوع الثريا عند الفجر وذلك أول فصل الصيف ) وهو اليوم التاسع عشر من ( بشنس ) وهو يوم خمسة وعشرين من عدد الروم أو الفرس اه . وشهر بشنس هو التاسع من أشهر السنة القبطية المجزأة إلى اثني عشر شهراً .

وشهر بشنس يبتدىء في اليوم السادس والعشرين من شهر نيسان ( أبريل ) وهو ثلاثون يوماً ينتهي يوم 25 من شهر ( أيار مايه ) .

وطلوع الثريا عند الفجر وهو يوم تسعة عشر من شهر بشنس من أشهر القبط . قال أيمة اللغة : فالصيف عند العامة نصف السنة وهو ستة أشهر والشتاء نصف السنة وهو ستة أشهر .

والسنة بالتحقيق أربعة فصول : الصيف : ثلاثة أشهر ، وهو الذي يسميه أهل العراق وخراسان الربيع ، ويليه القَيْظ ثلاثة أشهر ، وهو شدة الحر ، ويليه الخريف ثلاثة أشهر ، ويليه الشتاء ثلاثة أشهر . وهذه الآية صالحة للاصطلاحين . واصطلاح علماء الميقات تقسيم السنة إلى ربيع وصيف وخريف وشتاء ، ومبدأ السنة الربيع هو دخول الشمس في بُرج الحَمَل ، وهاتان الرحلتان هما رحلتا تجارة ومِيرة كانت قريش تجهزهما في هذين الفصلين من السنة إحداهما في الشتاء إلى بلاد الحبشة ثم اليمن يبلغون بها بلاد حمير ، والأخرى في الصيف إلى الشام يبلغون بها مدينة بُصرى من بلاد الشام .

وكان الذي سنّ لهم هاتين الرحلتين هاشم بن عبد مناف ، وسبب ذلك أنهم كانوا تعتريهم خصاصة فإذا لم يجد أهل بيت طعاماً لقوتهم حمل ربُّ البيت عياله إلى موضع معروف فضرب عليهم خباء وبقوا فيه حتى يموتوا جوعاً ويسمى ذلك الاعتفار ( بالعين المهملة وبالراء وقيل بالدال عوض الراء وبفاء ) فحدث أن أهل بيت من بني مخزوم أصابتهم فاقة شديدة فهموا بالاعتفار فبلغ خبرهم هاشماً لأن أحد أبنائهم كان تِرباً لأسد بن هاشم ، فقام هاشم خطيباً في قريش وقال : إنكم أحدثتم حدثاً تقِلون فيه وتكثر العرب وتذلون وتعزّ العرب وأنتم أهل حرم الله والناس لكم تُبّع ويكاد هذا الاعتفار يأتي عليكم ، ثم جمع كل بني أب على رحلتين للتجارات فما ربح الغني قسمه بينه وبين الفقير من عشيرته حتى صار فقيرهم كغنيهم ، وفيه يقول مطرود الخزاعي :

يا أيها الرجُلُ المحوِّل رَحْله *** هلا نزلتَ بآل عبد مناف

الآخذون العُهد من آفاقهــا *** والراحلون لرِحلة الإِيلاف

والخالطون غنِيّهم بفقيرهـم *** حتى يصير فقيرهم كالكافي

ولم تزل الرحلتان من إيلاف قريش حتى جاء الإِسلام وهم على ذلك .

والمعروف المشهور أن الذي سنّ الإِيلاف هو هاشم ، وهو المروي عن ابن عباس ، وذكر ابن العربي عن الهروي : أن أصحاب الإِيلاف هاشم ، وإخوته الثلاثة الآخرون عبدُ شمس ، والمطلب ، ونوفل ، وأن كان واحد منهم أخذ حبلاً ، أي عهداً من أحد الملوك الذين يمرون في تجارتهم على بلادهم وهم مَلِك الشام ، وملك الحَبشة ، وملك اليمن ، ومَلِك فارس ، فأخذ هاشم هذا من ملك الشام وهو ملك الروم ، وأخذ عبد شمس من نجاشي الحبشة وأخذ المطلب من ملك اليمن وأخذ نوفل من كسرى ملك فارس ، فكانوا يجعلون جُعلاً لرؤساء القبائل وسادات العشائر يسمى الإيلاف أيضاً يعطونهم شيئاً من الربح ويحملون إليهم متاعاً ويسوقون إليهم إبلاً مع إبلهم ليكفوهم مؤونة الأسفار وهم يكفون قريش دفع الأعداء فاجتمع لهم بذلك أمن الطريق كله إلى اليمن وإلى الشام وكانوا يسمَّوْن المُجِيرين .

وقد توهم النقاش من هذا أن لكل واحد من هؤلاء الأربعة رحلة فزعم أن الرِحَل كانت أربعاً ، قال ابن عطية : وهذا قول مردود ، وصدق ابن عطية ، فإن كون أصحاب العهد الذي كان به الإِيلاف أربعة لا يقتضي أن تكون الرحلات أربعاً ، فإن ذلك لم يقله أحد ، ولعل هؤلاء الأخوة كانوا يتداولون السفر مع الرحلات على التناوب لأنهم المعروفون عند القبائل التي تمر عليهم العِير ، أو لأنهم توارثوا ذلك بعد موت هاشم فكانت تضاف العِير إلى أحدهم كما أضافوا العير التي تَعرّض المسلمون لها يوم بدر عيرَ أبي سفيان إذ هو يومئذ سيد أهل الوادي بمكة .

ومعنى الآية تذكير قريش بنعمة الله عليهم إذ يسر لهم ما لم يتأت لغيرهم من العرب من الأمن من عدوان المعتدين وغارات المغيرين في السنة كلها بما يسر لهم من بناء الكعبة وشرعة الحج وأن جعلهم عمار المسجد الحرام وجعل لهم مهابة وحرمة في نفوس العرب كلهم في الأشهر الحرم وفي غيرها .

وعند القبائل التي تحرِّم الأشهر الحُرم والقبائلِ التي لا تحرّمها مثل طيء وقضاعة وخثعم ، فتيسرت لهم الأسفار في بلاد العرب من جنوبها إلى شمالها ، ولاذ بهم أصحاب الحاجات يسافرون معهم ، وأصحاب التجارات يحمِّلونهم سلعهم ، وصارت مكة وسطاً تُجلب إليها السلع من جميع البلاد العربية فتوزع إلى طالبيها في بقية البلاد ، فاستغنى أهل مكة بالتجارة إذ لم يكونوا أهل زرع ولا ضرع إذ كانوا بوادٍ غير ذي زرع وكانوا يجلبون أقواتهم فيجلبون من بلاد اليمن الحبوب من بُرّ وشعير وذُرة وزبيب وأديم وثياب والسيوف اليمانية ، ومن بلاد الشام الحبوب والتمر والزيت والزبيب والثياب والسيوف المشرفية ، زيادة على ما جعل لهم مع معظم العرب من الأشهر الحرم ، وما أقيم لهم من مواسم الحج وأسواقه كما يشير إليه قوله تعالى : { فليعبدوا رب هذا البيت } .

فذلك وجه تعليل الأمر بتوحيدهم الله بخصوص نعمة هذا الإِيلاف مع أن لله عليهم نعماً كثيرة لأن هذا الإِيلاف كان سبباً جامعاً لأهم النعم التي بها قوام بقائهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

{ رِحْلَةَ الشّتاءِ وَالصّيْفِ } يقول : رحلة قريش الرحلتين ، إحداهما إلى الشام في الصيف ، والأخرى إلى اليمن في الشتاء . ...

معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :

كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة : إحداهما في الشتاء إلى اليمن ؛ لأنها أدفأ ، والأخرى في الصيف إلى الشام . وكان الحرم وادياً جدباً لا زرع فيه ولا ضرع ، وكانت قريش تعيش بتجارتهم ورحلتهم ، وكان لا يتعرض لهم أحد بسوء ، كانوا يقولون : قريش سكان حرم الله وولاة بيته ، فلولا الرحلتان لم يكن لهم مقام بمكة ، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف ...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

واعلم أن وجه النعمة والمنة فيه أنه لو تم لأصحاب الفيل ما أرادوا ، لترك أهل الأقطار تعظيمهم وأيضا لتفرقوا وصار حالهم كحال اليهود المذكور في قوله : { وقطعناهم في الأرض أمما } واجتماع القبيلة الواحدة في مكان واحد أدخل في النعمة من أن يكون الاجتماع من قبائل شتى ، ونبه تعالى أن من شرط السفر المؤانسة والألفة ، ومنه قوله تعالى : { ولا جدال في الحج } والسفر أحوج إلى مكارم الأخلاق من الإقامة ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ إيلافهم } أي إيلافنا إياهم { رحلة الشتاء } التي يرحلونها في زمنه إلى اليمن ؛ لأنها بلاد حارة ينالون بها متاجر الجنوب { والصيف } التي يرحلونها إلى الشام في زمنه ؛ لأنها بلاد باردة ينالون فيها منافع الشمال ، وهم آمنون من سائر العرب لأجل عزهم بالحرم المكرم المعظم ببيت الله ، والناس يتخطفون من حولهم ، ففعل الله تعالى بأصحاب الفيل ما فعل ليزداد العرب لهم هيبة وتعظيماً ، فتزيد في إكرامهم لما رأت من إكرام الله تعالى لهم ، فيكون لهم غاية التمكن في رحلتهم ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ومعنى الآية تذكير قريش بنعمة الله عليهم إذ يسر لهم ما لم يتأت لغيرهم من العرب من الأمن من عدوان المعتدين وغارات المغيرين في السنة كلها بما يسر لهم من بناء الكعبة وشرعة الحج وأن جعلهم عمار المسجد الحرام وجعل لهم مهابة وحرمة في نفوس العرب كلهم في الأشهر الحرم وفي غيرها . وعند القبائل التي تحرِّم الأشهر الحُرم والقبائلِ التي لا تحرّمها مثل طيء وقضاعة وخثعم ، فتيسرت لهم الأسفار في بلاد العرب من جنوبها إلى شمالها ، ولاذ بهم أصحاب الحاجات يسافرون معهم ، وأصحاب التجارات يحمِّلونهم سلعهم ، وصارت مكة وسطاً تُجلب إليها السلع من جميع البلاد العربية فتوزع إلى طالبيها في بقية البلاد ، فاستغنى أهل مكة بالتجارة إذ لم يكونوا أهل زرع ولا ضرع إذ كانوا بوادٍ غير ذي زرع وكانوا يجلبون أقواتهم فيجلبون من بلاد اليمن الحبوب من بُرّ وشعير وذُرة وزبيب وأديم وثياب والسيوف اليمانية ، ومن بلاد الشام الحبوب والتمر والزيت والزبيب والثياب والسيوف المشرفية ، زيادة على ما جعل لهم مع معظم العرب من الأشهر الحرم ، وما أقيم لهم من مواسم الحج وأسواقه كما يشير إليه قوله تعالى : { فليعبدوا رب هذا البيت } . فذلك وجه تعليل الأمر بتوحيدهم الله بخصوص نعمة هذا الإِيلاف مع أن لله عليهم نعماً كثيرة لأن هذا الإِيلاف كان سبباً جامعاً لأهم النعم التي بها قوام بقائهم .

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

مكّة تقع في واد غير ذي زرع ، والرعي فيها قليل ، لذلك كانت عائدات أهل مكّة غالباً من قوافل التجارة ، في فصل الشتاء يتجهون إلى أرض اليمن في الجنوب حيث الهواء معتدل ، وفي فصل الصيف إلى أرض الشام في الشمال حيث الجوّ لطيف . والشام واليمن كانا من مراكز التجارة آنئذ ، ومكّة والمدينة حلقتا اتصال بينهما . هذه هي رحلة الشتاء . . . ورحلة الصيف . والمقصود ب «إيلافهم » في الآية أعلاه قد يكون جعلهم يألفون الأرض المقدّسة خلال رحلاتهم وينشدّون إليها لما فيها من أمن ، كي لا تغريهم أرض اليمن والشام ، فيسكنون فيها ويهجرون مكّة . وقد يكون المقصود إيجاد الألفة بينهم وبين سائر القبائل طوال مدّة الرحلتين ؛ لأنّ النّاس بدأوا ينظرون إلى قوافل قريش باحترام ، ويعيرونها أهمية خاصّة بعد قصّة اندحار جيش أبرهة . قريش لم تكن طبعاً مستحقة لكل هذا اللطف الإلهي لما كانت تقترفه من آثام ، لكن اللّه لطف بهم لما كان مقدّراً للإسلام والنّبي الأكرم( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يظهرا من هذه القبيلة وتلك الأرض المقدّسة . ...