معاني القرآن للفراء - الفراء  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

بسم الله الرحمن الرحيم .

قوله عز وجل : { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } .

يقول القائل : كيف ابتدئ الكلام بلام خافضة ليس بعدها شيء يرتفع بها ؟ فالقول في ذلك على وجهين :

قال بعضهم : [ 149/ب ] كانت موصلة ب{ ألم تر كيف فعل ربك } ، وذلك أنه ذكَّر أهل مكة عظيم النعمة عليهم فيما صنع بالحبشة ، ثم قال : { لإِيلاَفِ قُرَيشٍ } أيضاً ، كأنه قال : ذلك إلى نعمته عليهم في رحلة الشتاء والصيف ، فتقول : نعمة إلى نعمة ، ونعمة لنعمة ، سواء في المعنى .

ويقال : إنه تبارك وتعالى عجَّب نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقال : اعجب يا محمد لنعم الله تبارك وتعالى على قريش في إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ، ثم قال : فلا يتشاغلُن بذلك عن اتباعك وعن الإيمان بالله . { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذَا الْبَيْتِ } و«الإيلاف » قرأ عاصم والأعمش بالياء بعد الهمزة ، وقرأه بعض أهل المدينة «إلا فِهم » مقصورة في الحرفين جميعا ، وقرأ بعض القراء : ( إلْفِهم ) . وكل صواب . ولم يختلفوا في نصب الرحلة بإيقاع الإيلاف عليها ، ولو خفضها خافض يجعل الرحلة هي الإيلاف كقولك : العجبُ لرحلتهم شتاء وصيفا . ولو نصب إيلافَهم أو إلفَهم على أن تجعله مصدرًا ولا تكرُّه على أول الكلام كان صوابا ؛ كأنك قلت : العجب لدخولك دخولا دارَنا يكون الإيلاف ، وهو مضاف مثل هذا المعنى كما قال : { إذا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَها } .