اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

قوله : { إِيلاَفِهِمْ } مؤكد للأول تأكيداً لفظيًّا ، وأعربه أبو البقاء{[60898]} : بدلاً .

قوله : «رحلة » مفعول به بالمصدر ، والمصدر مضاف لفاعله ، أي : لأن ألفوا رحلة ، والأصل : رحلتي الشتاء والصيف ، ولكنه أفرد لأمن اللبس ؛ كقوله : [ الوافر ]

5320- كُلُوا في بَعْضِ بَطْنِكمُ تَعِفُّوا*** . . . {[60899]}

قاله الزمخشريُّ{[60900]} . وفيه نظر ؛ لأن سيبويه يجعل هذا ضرورة ، كقوله : [ الطويل ]

5321- حَمَامَةَ بَطْنِ الوادِيَيْنِ تَرَنَّمِي*** . . . {[60901]}

قال الليث : الرحلة اسم لارتحال القوم للمسير ، وقيل : رحلة اسم جنس ، وكانت له أربع رحل ، وجعله بعضهم غلطاً ، وليس كذلك .

قال القرطبي{[60902]} : «رِحْلة » نصب بالمصدر ، أي : ارتحالهم رحلة ، أو بوقوع «إيْلافِهم » عليه ، أو على الظرف ، ولو جعلتها في محل الرفع على معنى هما رحلتا الشتاء ، والصيف ، لجاز .

وقرأ العامة : بكسر الراء ، وهي مصدر .

وأبو السمال{[60903]} : بضمها ، وهي الجهة التي يرتحل إليها ، والشتاء : واد ، شذُّوا في النسب إليه ، فقالوا : شتوي ، والقياس : شِتَائي ، وشِتَاوي ك «كسائي ، وكِسَاويّ » .

فصل في معنى الآية

قال مجاهد في قوله تعالى : { إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشتآء والصيف } : لا يشق عليهم رحلة شتاء ولا صيف منة منه على قريش{[60904]} .

وقال الهروي وغيره : كان أصحاب الإيلاف أربعة إخوة : هاشم ، وعبد شمس ، والمطلب ، ونوفل بنو عبد مناف ، فأما هاشم فإنه كان يؤلف ملك «الشام » ، أي : أخذ منه حبلاً وعهداً يأمن به في تجارته إلى «الشام » ، وأخوه عبد شمس كان يؤلف إلى «الحبشة » ، والمطلب إلى «اليمن » ، ونوفل إلى «فارس » ، ومعنى يؤلف : يجير ، فكان هؤلاء الإخوة يسمون المجيرين ، فكان تُجَّارُ قريش يختلفون إلى الأمصار ، بحبل هؤلاء الإخوة ، فلا يتعرض لهم .

قال الأزهري : الإيلاف : شبه الإجارة بالخفارة ، يقال : آلف يؤلف : إذا أجار الحمائل بالخفارة ، والحمائل : جمع حمولة .

قال : والتأويل : أن قريشاً كانوا سكان الحرم ، ولم يكن لهم زرع ولا ضرع ، وكانوا يميرون في الشتاء ، والصيف آمنين ، والناس يتخطَّفُون من حولهم ، فكانوا إذا عرض لهم عارض قالوا : نحن أهل حرم الله ، فلا يتعرض الناس لهم ، وكانت إحدى الرحلتين إلى اليمن في الشتاء ؛ لأنها بلاد حامية ، والرحلة الأخرى في الصيف إلى «الشام » ؛ لأنها بلاد باردة .

وعن ابن عباس ، قال : يشتون ب «مكة » لدفئها ، ويصيفون ب «الطائف » لهوائها ، وهذه من أجل النعم ، أن يكون للقوم ناحية حر تدفع عنهم برد الشتاء ، وناحية برد تدفع عنهم حر الصيف ، فذكرهم الله تعالى هذه النعمة{[60905]} . .

فصل في الشتاء والصيف

قال مالك : الشتاء نصف السُّنة ، والصيف نصفها .

وقال قوم آخرون : الزمان أربعة أقسام : شتاء ، وربيع ، وصيف ، وخريف .

وقيل : شتاء ، وصيف ، وقيظ ، وخريف .

قال القرطبيُّ{[60906]} : والذي قال مالك أصح ؛ لأن اللهَّ قسم الزمان قسمين ، ولم يجعل لهما ثالثاً .


[60898]:ينظر الإملاء 2/295.
[60899]:تقدم.
[60900]:ينظر الكشاف 4/802.
[60901]:تقدم.
[60902]:الجامع لأحكام القرآن 20/140.
[60903]:ينظر: البحر المحيط 8/515، والدر المصون 6/573.
[60904]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/701)، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/678)، وزاد نسبته إلى الفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[60905]:تقدم تخريجه عن ابن عباس.
[60906]:الجامع لأحكام القرآن 20/141.