البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

الشتاء والصيف فصلان معروفان من فصول السنة الأربعة ، وهمزة الشتاء مبدلة من واو ، قالوا : شتا يشتو ، وقالوا : شتوة ، والشتاء مفرد وليس بجمع شتوة .

وقرأ الجمهور : { رحلة } بكسر الراء ؛ وأبو السمال : بضمها ، فبالكسر مصدر ، وبالضم الجهة التي يرحل إليها ، والجمهور على أنهما رحلتان .

فقيل : إلى الشام في التجارة ونيل الأرباح ، ومنه قول الشاعر :

سفرين بينهما له ولغيره *** سفر الشتاء ورحلة الأصياف

وقال ابن عباس : رحلة إلى اليمن ، ورحلة إلى بصرى .

وقال : يرحلون في الصيف إلى الطائف حيث الماء والظل ، ويرحلون في الشتاء إلى مكة للتجارة وسائر أغراضهم .

وقال الزمخشري : وأراد رحلتي الشتاء والصيف ، فأفرد لأمن الإلباس ، كقوله :

كلوا في بعض بطنكم تعفوا *** فإن زمانكم زمن خميص

انتهى ، وهذا عند سيبويه لا يجوز إلا في الضرورة ، ومثله :

حمامة بطن الواديين ترنمي . . .

يريد : بطني الواديين ، أنشده أصحابنا على الضرورة .

وقال النقاش : كانت لهم أربع رحل .

قال ابن عطية : وهذا قول مردود .

انتهى ، ولا ينبغي أن يرد ، فإن أصحاب الإيلاف كانوا أربعة إخوة وهم : بنو عبد مناف هاشم ، كان يؤلف ملك الشام ، أخذ منه خيلاً ، فأمن به في تجارته إلى الشام ، وعبد شمس يؤلف إلى الحبشة ؛ والمطلب إلى اليمن ؛ ونوفل إلى فارس .

فكان هؤلاء يسمون المجبرين ، فتختلف تجر قريش إلى الأمصار بحبل هؤلاء الإخوة ، فلا يتعرض لهم .

قال الأزهري : الإيلاف شبه الإجارة بالخفارة ، فإذا كان كذلك جاز أن يكون لهم رحل أربع ، باعتبار هذه الأماكن التي كانت التجار في خفارة هؤلاء الأربعة فيها ، وفيهم يقول الشاعر يمدحهم :

يا أيها الرجل المحول رحله *** هلا نزلت بآل عبد مناف

الآخذون العهد من آفاقها *** والراحلون لرحلة الإيلاف

والرائشون وليس يوجد رائش *** والقائلون هلمّ للأضياف

والخالطون غنيهم لفقيرهم *** حتى يصير فقيرهم كالكاف

فتكون رحلة هنا اسم جنس يصلح للواحد ولأكثر ، وإيلافهم بدل من { لإيلاف قريش } ، أطلق المبدل منه وقيد البدل بالمفعول به ، وهو رحلة ، أي لأن ألفوا رحلة تفخيماً لأمر الإيلاف وتذكيراً بعظيم النعمة فيه .