محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

{ لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف } قال ابن هشام : إيلاف قريش : إلفهم الخروج إلى الشام في تجارتهم ، وكانت لهم خرجتان : خرجة في الشتاء ، وخرجة في الصيف . قال : أخبرني أبو زيد الأنصاري أن العرب تقول : ألفت الشيء إلفا وآلفته إيلافا ، في معنى واحد ، وأنشدني لذي الرمة :{[7549]}

من المؤلفات الرمل إدماء حرة*** شعاع الضحى في لونها يتوضح

والإيلاف أيضا أن يكون للإنسان ألف من الإبل أو البقر أو الغنم ، أو غير ذلك ، ويقال : آلف فلان إيلافا ، قال الكميت بن زيد :{[7550]}

بعام يقول له المؤلفو***ن هذا المعيم لنا المرجل

والمعيم : العام الذي قل فيه اللبن ، والإيلاف أيضا أن يصير القوم ألفا . يقال : آلف القوم ، قال الكميت :

وآل مزيقياء غداة لا قوا***بني سعد بن ضبة مؤلفينا

والإيلاف أيضا أن يؤلف الشيء إلى الشيء فيألفه ويلزمه ، يقال : آلفته إياه إيلافا ، والإيلاف أيضا أن تصير ما دون الألف ألفا ، يقال : آلفته إيلافا ، انتهى . ولورود الإيلاف بهذه المعاني ظهر سر إيذانه بالمقيد منه بعد إطلاقه ، مع ما في الإيهام ثم التفسير من التفخيم والتقرير ، روى ابن جرير{[7551]} عن عكرمة قال : " كانت قريش قد ألفوا بصرى واليمن يختلفون إلى هذه في الشتاء ، وإلى تلك في الصيف " . وعن ابن زيد قال : كانت لهم رحلتان : الصيف إلى الشام ، والشتاء إلى اليمن ، في التجارة ، إذا كان الشتاء امتنع الشام منهم لمكان البرد ، وكانت رحلتهم في الشتاء إلى اليمن . وعن ابن عباس قال : " كانوا يشتون بمكة ، ويصيفون بالطائف " ، والأكثرون على الأول . واللام في قوله { لإيلاف } متعلق بقوله تعالى : { فليعبدوا رب هذا البيت } .


[7549]:استشهد به في اللسان (ج9 ص10) طبعة بيروت. شعاع الضحى بريق لونه يتوضح يتبين.
[7550]:العيم من العيمة وهي الشوق إلى اللبن والمرجل الذي تذهب إبله فيمشي على أرجله يريد أن تلك السنة تجعل صاحب الألف من اللبن يعام إلى اللبن ويسعى ماشيا.
[7551]:انظر الصفحة رقم 307 من الجزء الثلاثين (طبعة الحلبي الثانية).