وقوله تعالى : { إيلافهم } بدل من الإيلاف الأول ، وقرأ ابن عامر ( لإلاف ) بغير ياء بعد الهمزة ، والباقون لإيلاف بياء بعدها ، وأجمع الكل على إثبات الياء في الثاني وهو ( إيلافهم ) بالياء بعد الهمزة . قال ابن عادل : ومن غريب ما اتفق في هذين الحرفين أن القراء اختلفوا في سقوط الياء ، وثبوتها في الأول مع اتفاق المصاحف على إثباتها خطاً ، واتفقوا على إثبات الياء في الثاني مع اتفاق المصاحف على سقوطها منها خطاً ، وهذا أدل دليل على أنّ القراء متبعون الأثر والرواية لا مجرّد الخط . وقوله تعالى : { رحلة الشتاء } منصوب بإيلافهم مفعول به كما نصب يتيماً بإطعام ، وهي التي يرحلونها في زمنه إلى اليمن ؛ لأنها بلاد حارة ، ينالون منها متاجر الحبوب . { والصيف } التي يرحلونها إلى الشام في زمنه ؛ لأنها بلاد باردة ، ينالون فيها منافع الثمار ، وهم آمنون من سائر العرب لأجل عزهم بالحرم المعظم وبيت الله ، والناس يتخطفون من حولهم ، ولا يجترئ أحد عليهم .
والإيلاف من قولك : آلفت المكان أولفه إيلافاً إذا بلغته فأنا مؤلف ، والأصل رحلتي الشتاء والصيف ، ولكنه أفرد ليشمل كل رحلة كما هو شأن المصادر وأسماء الأجناس ، وفي ذلك إشارة إلى أنهم يتمكنون من الرحلة إلى أي بلاد أرادوا لشمول الأمن لهم . قال مالك : الشتاء نصف السنة والصيف نصفها .
وقال قوم : الزمان أربعة أقسام : شتاء وربيع وصيف وخريف ، وقيل : شتاء وصيف وقيظ وخريف . قال القرطبي : الذي قاله مالك أصح ؛ لأنّ الله تعالى قسم الزمان قسمين ، ولم يجعل لهما ثالثاً . وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنهم كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف ، وقال آخرون : كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة ، إحداهما : في الشتاء إلى اليمن لأنها أدفأ ، والأخرى في الصيف إلى الشام ، وكان الحرم وادياً جدباً لا زرع فيه ولا ضرع ، وكانت قريش تعيش بتجارتهم ورحلتهم ، ولولا الرحلتان لم يكن لهم مقام بمكة ، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف ، وأول من سنّ لهم الرحلة هاشم بن عبد مناف ، وكانوا يقسمون ربحهم بين الغني والفقير حتى كان فقيرهم كغنيهم ، وفي ذلك يقول الشاعر :
قل للذي طلب السماحة والندى *** هلا مررت بآل عبد مناف
هلا مررت بهم تريد قراهم *** منعوك من ضر ومن اتلاف
الرائشين وليس يوجد رائش *** والقائلين هلم للأضياف
والخالطين فقيرهم بغنيهم *** حتى يكون فقيرهم كالكافي
والقائلين بكل وعد صادق *** والراحلين برحلة الإيلاف
عمرو العلا هشم الثريد لقومه *** ورجال مكة مسنتون عجاف
سفرين سنهما له ولقومه *** سفر الشتاء ورحلة الأصياف
وتبع هاشماً على ذلك إخوته ، فكان هاشم يؤالف إلى الشام ، وعبد شمس إلى الحبشة ، والمطلب إلى اليمن ، ونوفل إلى فارس ، وكان تجار قريش يختلفون إلى هذه الأمصار بجاه هذه الإخوة ، أي : بعهودهم التي أخذوها بالأمان لهم من ملك كل ناحية من هذه النواحي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.